أولا : الحوار المتسامح :
التسامح يعني التساهل واللين في التعامل مع الآخرين ، وفي رؤية الأحداث والمواقف . وهو لا يعبر عن النبل والكرم الذاتي بمقدار تعبيره عن الحاجة والضرورة . والمواقف التي ينقصها التسامح والتنازل والملاطفة ، لا تفقد شيئاً كمالياً من قبيل الزخرفة ، وإنما تفقد شيئاً بنيوياً ، لا يشعر بالاستغناء عنه الا من أصيب بقصر النظر وفجاجة الإدراك . إن الإحساس المترهل تجاه قضية التسامح نابع من الظن بأن التسامح عبارة عن تبرع نجود به في حالة التعامل مع أشخاص أشرار أو التعامل مع مواقف عدوانية أو مواقف تفتقر إلى اللباقة أو الكياسة الاجتماعية . كما أعتقد أنه قد آن الأوان لتغيير هذه النظرة العقيمة لمفهوم التسامح ، وجعله أمارة هامة تساعد على وضع الأمور في نصابها وعلى السير في الاتجاه الصحيح .
لا يمكننا أن نتعلم التسامح من خلال قراءة كتاب أو سماع محاضرة . كما أن التسامح لا يشكل مجموعة مواد نضعها في مقدمة الدستور ونحاول التقيد بها . غنه شيء أكبر من ذلك وأعمق ، فالتسامح يسري في أعماق نظم التفكير والتعبير السوي ، ونتعلمه بطريقة لا واعية من خلال العيش في بيئة ثقافية تنظر باحترام وتقدير الظروف الصعبة التي يمر بها الآخرون ، كما نأخذ بالاعتبار طبيعة المشكلات التي تخترق نظم التواصل الاجتماعي ونظم إدراك الأشياء والتعبير عن الذات والحقوق والرغبات . فيجب علينا أن نتصدى للتحدي الذي يواجهنا في النجاح بتأسيس تقاليد ثقافية واجتماعية تجعل التسامح أسلوب حياتنا ومنهاج للعيش في هذه الحياة .
الإسلام حدد لنا المنطلقات وأرسى لنا القواعد التي تمكننا من العمل على هذا المنطلق (التسامح) بكفاءة ، وذلك من خلال الأحكام والآداب والتوجيهات والتعليمات التي رسمها لنا ديننا الإسلامي الحنيف ، فنجد على هذا الصعيد العديد من النصوص التي تؤسس لأرضية يقف عليها جميع المسلمين ومنها قوله سبحانه ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) سورة فاطر الآية 32
فإن من زادت سيئاته على حسناته ، ومن استوت سيئاته مع حسناته ، ومن ذادت حسناته على سيئاته ، فهم جميعاً ممن أورثهم الله الكتاب ، واصطفاهم على غيرهم من الناس بما هداهم له من التوحيد والإيمان . وفي هذا من جمع كلمة المسلمين وقطع أسباب الخصام بينهم ملا يخفى . ومن وجه آخر فإن القرآن الكريم يغني روح التسامح من خلال توجيه المسلم إلى التخلق بخلق الصفح ومقابلة الحسنة بالسيئة ، كما قال تعالى ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) سورة فصلت الآية 34 إن دفع العدوان بالإحسان ومقابلة الإساءة بالحلم من الأمور الجوهرية في توليد المشاعر الجميلة ، حيث يتحول المعادي إلى صديق حميم ونجد في الحقيقة الكثير من الآداب والأخلاق التي تؤدي إلى التآلف بين أبناء الأمة الواحدة ، وتقي من الانجرار إلى الاحتراب والاقتتال .
انتظروا تكملة الموضوع في المشاركات القادمة بإذن الله ..
07-19-2006
التسامح
المواضيع المتشابهه
العرض الشجري