الاخبار الاقتصادية ليوم الأحد 10/10/1431 هـ 19 سبتمبر 2010 م

[صقر قريش]

هجمة متزامنة على دعامتي الرأسمالية




سيباستيان مالاباي
لقد فرّخت الرأسمالية آليتين تنظيميتين عظيمتين: الأسواق والشركات. والأفكار التي تقف وراء هاتين الآليتين متعارضة. الأسواق تتضمن عمليات على نطاق واسع بين أعداد مختلفة من المشاركين، بينما تشجع الشركات تعاوناً مرتبطاً بين فرق العمل. لكن، وبدرجة من الغرابة، هذين النهجين المتناقضين يتعرضان لهجوم متزامن. ولو توقف المهاجمون لملاحظة هذه المفارقة، لربما هدأوا بدلاً من ذلك.
كان الهجوم على الأسواق عالي الضجة بشكل خاص، وذلك بفضل التراجع المالي الشديد. أما وأن التوريق المعقد أصبح معيباً كما يبدو، فمن الصعب الثقة بعمليات النطاق البعيد كوسيلة لتخصيص رأس المال. وأصبحت التزامات الديون المضمونة ومقايضات عجز الائتمان، وكل هذه الممتلكات من الوعود المالية القابلة للتداول، موضع تساؤل. ويبدو أن بعض المنتقدين يعتقدون أنه لو كان قد تم تنظيم أسواق المشتقات، فإن العالم كان يمكن أن ينجو من حالة التراجع الشديد.
لكن إذا كانت الأسواق قد عفا عليها الزمن، فإن الآلية المنظمة البديلة – الشركات – تتعرض للهجوم بالقوة ذاتها. وإذا قمت بتقليب صفحات مجلات الإدارة تعرف على الفور أن سجن رأس المال والمواهب داخل المنظمات الكبرى وسيلة عفا عليها الزمن لإنجاز الأمور، وهو ما يرغم المبدعين على العمل البيروقراطي. ويشتكي منتقدو الشركات مراراً من أن المؤسسات ذات الحجم الكبير تتفوق عليها التحولات التكنولوجية السريعة للحياة الحديثة. ويخفق المديرون في توقع ظهور فيسبوك وتويتر، ويدعمون دور السينما في عصر الأفلام التي يمكن تنزيلها في البيوت. وعلى الرغم من كل شهادات ماجستير إدارة الإعلام المثيرة للخيال التي يملكونها، وكل ما لديهم من أشكال بيانية، فإن رؤساء الشركات لا يخصصون الموارد على الدوام حيث يكون المردود هو الأعلى.
وتطرح كل مدرسة ناقدة حلولاً تسخر منها المدارس الأخرى، على الرغم من أنه يبدو أن جانبها يلاحظ هذه الحقيقة. ويميل المعلقون الماليون الذين يتشككون في الأسواق إلى الأمل بأن يتم استيعاب المخاطر من جانب الشركات، بدلاً من الأسواق – بالذات الكيانات التي يحتقرها معلقو الإدارة. وبدلاً من الائتمان المورق، يريد المنتقدون أن تكون الشركات المالية هي جهات إصدار القروض، وأن تحتفظ بها في دفاترها، على أساس نظرية أن قسم إدارة المخاطر في البنك، أو جهة تمويل شراء السيارات، سوف يقيّم المخاطر بصورة أفضل من متداولي الأسواق. وبصورة مشابهة، يريد المنتقدون أن تُبقي البنوك القروض بالقيمة الاسمية حتى تستطيع فرق المديرين الحكيمة أن تقرر أنه حان وقت تنفيذها. وهم يرتعدون خوفاً من مساواة القروض بأسعارها في الأسواق.
أثناء ذلك، يطرح المشككون في الشركات انتقادات مضادة. وانطلاقاً من عدم إعجابهم بأداء المديرين البيروقراطيين، فإنهم يرغبون في أن يتم تخصيص رأس المال بطريقة أقرب إلى ما تحركه الأسواق. وبدلاً من لجان استثمارات الشركات التي ترزم الموارد على نحو أخرق، ضمن كيان ضخم معيق للحركة، لماذا لا يتم تفكيك الشركة، وتحرير مبدعيها، والسماح للرأسماليين المغامرين المتنافسين بتقرير ما الجهة التي يدعمونها؟ لقد أجاب الاقتصادي رونالد كوز على هذا السؤال عام 1937، حين لاحظ أنه من خلال تجميع الأفكار، ورأس المال، والعمال تستطيع الشركة تخفيض تكاليف عملية جمع هذه العوامل الثلاثة معاً. غير أن منتقدي الشركات يردون على ذلك بأن الاتصالات الحديثة قلصت تكاليف العمليات إلى جزء من مستواها السابق، مستخلصين ترشيد كوز لتكاليف الشركات المنطوية على مفارقة تاريخية. وهناك كتاب بعنوان Wikinomics يورد حتى أن التعاون الشامل يمكن أن يكون بديلاً للشركات. ويدّعي المؤلف دون أي تواضع ''أن هذا الأمر يمكن أن يكون ميلاد عصر جديد، ربما يكون ذهبياً، وعلى قدم المساواة مع النهضة الإيطالية، أو الديمقراطية الأثينية''.
إن الفكرة ليست أن الأسواق، أو الشركات، فوق الانتقاد، لأن هناك إدراكا على نطاق واسع لمثالب كل منهما، ليس أقله من جانب الناس عميقي التفكير الذين يعملون فيها. وأكثر الازدراء الباعث على الملل، لنظرية الأسواق الكفؤة يأتي من المشاركين في نشاطات الأسواق. ويعتبر جورج سوروس، مضارب صناديق التحوط الشهير، منتقداً بارزاً للمضاربة. وبالمثل، فإن أشد الهجمات أذىً على المؤسسات البيروقراطية يأتي من جانب رؤساء الشركات. وقد طرد جاك ويلش، دون رحمة، أساطين من رجال المبيعات في جنرال إلكتريك، وهزّ لو كرستنر شركة IBM كما يتم هزّ النرد، ثم عنون مذكراته التي يمتدح بها نفسه ''من يقول إن الفيلة لا تستطيع الرقص؟''.
إن الفكرة، بدلاً من ذلك هي أن منتقدي الأسواق ومنتقدي الشركات يجب أن ينتبهوا أكثر إلى بعضهم بعضا. ويجب ألا يدين المعلقون الماليون التوريق دون إدراك الفكرة الواضحة أمام أعين معلقي الإدارة: ضوابط مخاطر البيروقراطية تشوبها العيوب كذلك. ويجب ألا يدعو معلقو الإدارة إلى التخلص من الشركات دون إدراك الفكرة الواضحة أمام أعين المعلقين الماليين: بديل المدى الطويل والتنسيق المستند إلى ما يتم في الأسواق، هو التشاحن مع عدم تناسق المعلومات، وتصرفات القطيع من جانب المستثمرين غير العقلانيين على نحو تام، وكذلك الخداع.
هناك تبرير كامل لما يقوم به المنتقدون المعتدلون للأسواق والشركات. ولقد دفعت ''التزامات الديون المضمونة المربعة'' بالفعل الابتكار المالي بما يتجاوز حد السخافة. ومصلحو الشركات على حق في تحدي البيروقراطية المميتة بالمواقع الإلكترونية التي تجمع مقترحات الزبائن ''والأسواق الداخلية'' من أجل تخصيص موارد الشركات. لكن حين تتم مهاجمة الأسواق والشركات بصورة متزامنة وكاسحة، على عقلاء الناس أن يتذكروا أن كلاً من الهجومين لا يمكن أن يكون على حق.

الكاتب زميل رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية.