مبروك لم يمت بعد ..

[المقداد]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

مر وقت طويل وأنا لم أشاهد منتزه الشفا وهو مكتظ بالزوار كما هو اليوم عندما زرته قبيل المغرب لأتناول شيئاً ساخناً مع تلك الذرة المشوية ( الباهظة الثمن ) ! كنت أنظر إلي الجبال وهي تعانق بعضاً من السحب المتفرقة , ثم صعدت إلى جبل المحمدية وعانقني الضباب الرهيف ! إلا أن المكان كله مزدحم بالمصطافين والزائرين القادمين من كل بقاع الأرض , فأرتال السيارات لا تتوقف أبداً وقدا شكلت عقداً متلألئ بالألوان والأنوار , فكل هذه الجموع بدون أدنى خدمة سياحية تليق سوى بعض أشجار العرعر والطلح وبعضاً من الجشع والطمع الذي يلف أصحاب العقارات والاستراحات وأكشاك صغيرة قد تفرقت على جنبات الطرق تبيع ( البرشومي والتين والرمان والمشمش والبخارة والذرة) أقول تبيعها جزافاً وبأسعار حارقة ومؤذية !! .

المضحك المبكي في الأمر أنك تجد أشكالاً وأنواع عدة من الفاكهة المستوردة حتى إذا ما أقبل المشتري قدموها إليه على أنها إنتاج الطائف وباعوها على أولئك المساكين بنفس الأسعار الملتهبة , ناهيك عن سيارات باعة العسل المتجولين في المنتزه إذ لا يكاد يخلو مائتين متر من واحدة منها وقد رصت برطمانات وسطول العسل على ظهر المركبة وسقفها وأسفل منها !! ما هذا العسل يا هذا ؟ نعم ماهذا العسل الكثير جداً !!

بلاشك ستجد الإجابة حاضرة أنه عسل صيفي قطعت هذا العام وسعر الكيلو الواحد 600 ريال فقط !! ( طاح الرخى فالديرة ) ..

ولتعرف مدى كذبهم وتجنيهم قم بمشاطرتهم في السعر وأجزم أنك ستصل الي أدنى الا سعار !! وفوق ما يمكن أن تتخيله .

ما هذا النصب ما هذا الإحتيال , مالذي يجري هناك بالضبط .. ؟
أنا لا أعلم ولا حتى مبروك يعلم !!

حسناً ..
ما أجمل جبال الشفا يا كرام فهي من الأماكن المحببة لقلبي إذ لا يضاهيها مكان آخر في هذا الشهر من العام , وأقول أن من بيت تلك السيارات والمركبات الفخمة التي يستقلها الزائرين ومن بين أصوات الموسيقى التي تصدح بها تسجيلات سياراتهم والتي لا تشجي سوى غربان نعقت فوق الجبال الشاهقة , من بين كل ذلك رأيت ( مبروك) !! ومحيسن
نعم هما ولم تكن ذاكرتي لتخونني في مثل هذه المواقف رأيته يجرّ جمله المسن والذي بدا عليه التعب مثل صاحبه , فبينما محيسن يسير عائداً لبيته صحت به من نافذة سياراتي وقاطعت تلك الردحة الجميلة التي كان ينشدها ويرددها على أسماع مئات الناس المار بهم عبر طريقه ! حين ذلك أو حين سمع صوتي توقف فقلت يا محيسن يابن السفياني أما زال مبروك حياً وأنت الآخر لم تمت !! أين تمضي بمبروك والذي قد حنى الدهر ظهره وظهرك !! ولاح الشيب في عوارض خدك وخده !!
لماذا لم تستبدل هذا الجمل العجوز بآخر في عمر الزهور ؟
ضحك كثيراً وقد عرفني .
ثم قال: أعلم أيها المقداد الوغد أنني أقاتل من أجل لقيمات تسد جوعي وأبنائي , أني أؤجره على المصطافين أمثالك والذين لا يعرفون إمتطاء الجمال , وأصورهم بكميرتي الفورية العتيقة .

عدت من الشفا بكم هائل من الإستفهامات لم يستطع مبروك ومحيسن الإجابة عليها .....!!
وودعت جموع المصيفين المكتظين بالشفا وقد أمتلأت سياراتهم بالعسل اليماني والرمان الخارجي والعنب التبوكي.

يا لهذا الشفا الحائر المسكين المغلوب على أمره ..

المقداد