![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 2 ) | ||
عضو
![]()
![]() |
![]()
ووصلت الأنباء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بعزم قريش على القتال ، فأراد أن يُوقف الصحابة على حقيقة الموقف وحتميّة المواجهة ، لكن مواقف الصحابة تباينت ، فقد أظهر فريقٌ منهم كراهيّته للمواجهة ، لعدم استعدادهم لها ، وقام يراجع النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك ، وقد سجّل القرآن موقفهم في قوله تعالى : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكرهون ، يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } ( الأنفال : 5-6 ).
بينما أيّد قادة المهاجرين فكرة القتال وتحمّسوا لها ، وقال المقداد رضي الله عنه للنبي – صلى الله عليه وسلم - : " والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } (المائدة :24 ) ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك ، ومن بين يديك ومن خلفك " رواه البخاري ، فأشرق وجه النبي – صلى الله عليه وسلم - لقوله . لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد أن يطّلع على موقف الأنصار ، فهم أغلب الجند ، وبيعة العقبة لم تكن تُلزِمُهم بحماية النبي – صلى الله عليه وسلم – خارج نطاق المدينة ، فظلّ يردّد قائلاً : ( أشيروا عليَّ أيها الناس ) ، فأدرك سعد بن عبادة مُراد النبي عليه الصلاة والسلام فقال : " إيانا تريد يا رسول الله ؟ ، قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، لا يتخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا ، إنا لصُبر عند الحرب صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسِر بنا على بركة الله " ، فأشعلت تلك الكلمات الصادقة حماسة الصحابة فاستقرّ رأيهم على القتال ، ووثقوا بموعود الله ونصره ، وسُرّ النبي – صلى الله عليه وسلم – من جوابهم وقال : ( سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ) رواه ابن إسحاق . وبدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – يُعدّ الناس للمواجهة المرتقبة ، وبدأ بتنظيم أصحابه وتقسيمهم على ثلاثة ألوية ، وجعل لواء الحرب عند مصعب بن عمير رضي الله عنه ، وأعطى رايتين سوداوين إلى سعد بن معاذ وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم استعرض أصحابه فأخرج الصغار ومنعهم من المشاركة في القتال ، وكان من بين أولئك عبدالله بن عمر والبراء بن عازب رضي الله عنهما . وبينما هو كذلك إذ أقبل رجل من المشركين يريد أن يُشارك في القتال ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( ارجع فلن استعين بمشرك ) ، وعاود المحاولة مراراً ورسول الله يكرّر الجواب ذاته ، حتى أعلن الرجل إسلامه فسمح له النبي – صلى الله عليه وسلم – بالخروج معه ، رواه أحمد . وواصل الجيش مسيره حتى بلغوا قريباً من بئرٍ يقال لها بدر ، فأرسل النبي – صلى الله عليه وسلم نفراً من أصحابه لاستطلاع أخبار المشركين ، فوجدوا غلامين من غلمان قريش فقبضوا عليهما ، واقتادوهما إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فحاول عليه الصلاة والسلام أن يستعلم منهما إمكانات قريشٍ وعدد أفرادها لكنهما رفضا الإجابة ، فقال لهم : ( كم ينحرون من الجزر –أي الإبل - ؟ ) فقالا : عشرا كل يوم ، فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم – أن عددهم يقارب ألف مقاتل ، فأقبل على الناس فقال : ( هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ) رواه ابن إسحاق . إذاً فالوضع خطير ، والعدوّ يفوقهم عدداً وعُدّة ، فما أحوجهم في تلك اللحظات إلى عونٍ إلهيّ ومثبّتات إيمانية ، تُلقي على قلوبهم السكينة واليقين بحصول النصر ، فأرسل الله تعالى على المؤمنين أمطار خيرٍ وبركة ، كان لها أثرٌ بالغٌ على النفوس فطهّرتها ، وعلى القلوب فاستيقنت بالنصر وتسلّحت بالصبر ، وعلى الأرض فتماسكت تربتها واشتدّت. كما أيّد الله تعالى المؤمنين بالنعاس الذي أصابهم تلك الليلة ، فكان سبباً في إزالة الخوف ويثّ السكينة في القلوب ، وقد سجّل القرآن تلك اللحظات ، قال تعالى : { إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام } ( الأنفال : 11 ). ومما رجّح الكفة لصالح المسلمين الخلاف الذي نشأ بين زعامات قريش ، فقد حاول عُتبة بن ربيعة أن يُثني الناس عن الدخول في المعركة ، وأنكر عليهم قتال أنسابهم وأرحامهم ، وحذّرهم من شجاعة المسلمين وبسالتهم في القتال ، فاتهمه أبو جهل بالجبن والضعف ، وأصرّ على مواصلة الزحف ، وكان تعليق النبي – صلى الله عليه وسلم – على ذلك الموقف أن قال : ( إن يك عند أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر – يعني عُتبة بن ربيعة - إن يطيعوه يرشدوا ) رواه ابن أبي شيبة . وبدأ السباق الشديد نحو ماء بدر بين كلا الفريقين ، حتى تمكّن جيش المسلمين من سبق أعدائهم والنزول بالقرب منها ، وفي تلك الأثناء وقف الحباب بن منذر رضي الله عنه يطوف ببصره في أرجاء المعسكر يتأمّله بعينٍ فاحصة ، ويستحضر معارفه السابقة في تضاريس المنطقة ، فلم يُعجبه اختيار المكان ، وبدا له رأيٌ آخر ، فذهب إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – مسرعاً وسأله إن كان اختيار ذلك الموضع وحياً من الله لا مجال للرأي فيه أم أنه مجرّد اجتهاد ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم : ( بل هو الرأي والحرب والمكيدة ) ، فاقترح عليه أن ينزلوا عند أقرب الآبار إلى المشركين ثم يقوموا بردم بقيّة الآبار ليحرموا جيش المشركين من الماء ، فأُعجب النبي – صلى الله عليه وسلم – بالفكرة ووضعها قيد التنفيذ . وجاء سعد بن معاذ رضي الله عنه باقتراح آخر ، وذلك بأن يقوموا ببناء عريش – وهي الخيمة من الخشب – لكي تكون مكاناً للقيادة والاطلاع على مجريات الأحداث ، إضافةً إلى كونها مقرّاً آمنا للنبي – صلى الله عليه وسلم – للحفاظ على حياته ، فتمّت الموافقة وبُني العريش . واصطفّ الجيشان ، وقام النبي - صلى الله عليه وسلم – يتفقّد جنده ، يقدم هذا ويؤخّر ذاك ، ويشجّع الناس ويُسدي النصائح ؛ فإن اللقاء المرتقب سيكون صعباً ، وبعد التأكد من دور التعبئة النفسية ، عاد إلى عريشه ليتمّم أسباب النصر بالدعاء فيستنصر ربه ويتذلّل لمولاه : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض ، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني ) واشتدّت مناشدته لربّه حتى سقط عنه رداؤه ، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رداءه وأعاده إلى مكانه ، ثم احتضنه من ورائه وقال : " يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك ؛ فإنه سينجز لك ما وعدك " . عندها خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – من عريشه وقال لعلي : ( ناولني كفاً من حصى ) ، فناوله إياها ، فأخذها النبي – صلى الله عليه وسلم - فرمى بها وجوه المشركين ، وبقدرة الله تعالى ، وصلت تلك الحصيات إليهم ، فما بقى أحدٌ منهم إلا امتلأت عيناه منها ، كما قال تعالى : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } ( الأنفال : 17 ). وبدأت المعركة بمبارزة قويّة بين عتبة بن ربيعة وحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وبين الوليد بن عُتبة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنه ، وبين شيبة بن ربيعة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فانتصر حمزة وعلي ، في حين سقط عتبة وشيبة مثخنين بالجراح ، فأجهز حمزة وعلي على الوليد ثم عادا بعبيدة إلى معسكر المسلمين . والتحم الفريقان ، وتصاعدت حميّة المسلمين وتعالت التكبيرات ، يتقدّمهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصول ويجول في أرض المعركة كأنّه جيشٌ وحده ، حتى قال الصحابة يومئذٍ : " قد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا " ، وانطلقت هتافاته - صلى الله عليه وسلم - قائلةً : ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ) فوصلت تلك الكلمات إلى قلب عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه ، فرمى بتمرات كانت بيده وقال : " لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة " ، ثم انطلق كالسهم يشقّ صفوف المشركين وهو يضرب بسيفه يمنةً ويسره حتى سقط شهيداً . وجاء المدد الإلهي بقوّات مساندة من آلاف الملائكة لتثبّت الذين آمنوا وترجّح الكفّة لصالحهم ، يقودهم جبريل عليه السلام بفرسه كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، منها قول ابن عباس رضي الله عنه : " بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم – اسم الدابة التي يركبها الملك - ، فنظر إلى المشرك أمامه ، فخرّ مستلقيا ، فإذا هو قد خطم أنفه – قطع أنفه - وشق وجهه كضربة السوط " ، وقول أبي داود المازني : " إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه ، فعرفت أنه قتله غيري " . وتزعزعت صفوف المشركين ودب الرعب في قلوبهم ، فلم يكونوا يتصوّرون أن هذه الفئة المؤمنة قليلة العدد ومحدودة الإمكانات تستطيع أن تقف في وجوههم وتنتصر عليهم ، وسرعان ما تساقطت جثث المشركين وجن جنون أبي جهل - فرعون هذه الأمة - وهو يرى الهزيمة تنزل بأصحابه ، ولم يعلم أن موعده مع المنيّة أقرب مما يظنّ ، ليس على يد قيادات المسلمين أو فرسانهم ، ولكن على أيدٍ غضّة من فتية مؤمنة ، يقول عبد الرحمن بن عوف : " إني لفي الصف يوم بدر ، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه : يا عم ، أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ، وما تصنع به ؟ ، قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه ، فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه – أي انطلقا نحوه - مثل الصقرين حتى ضرباه " وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما. وانجلت المعركة عن خسارة فادحة لقريش ، فقد قٌُتل سبعون رجلاً من أشرافهم ، وأُسر منهم سبعون ، فولّوا الأدبار يجرّون أذيال الخيبة ، بينما لم يُقتل من المسلمين سوى أربعة عشر شهيداً ، قدّموا أرواحهم قرباناً لهذا النصر العظيم ، الذي ذاق المسلمون حلاوته ، وخلّد الله ذكره في سورة كاملة ، ليبقى شاهد حقٍ على نُصرة الله لأوليائه ودفاعهم عنه . |
||
![]() |
مواقع النشر |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
أديان الهند الكبرى ( الجينية ) | alsewaidi | الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي | 3 | 02-19-2008 08:15 AM |
أديان الهند الكبرى (السيخية ) | alsewaidi | الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي | 2 | 02-19-2008 06:20 AM |
أديان الهند الكبرى ( البوذية ) | alsewaidi | الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي | 2 | 02-19-2008 06:12 AM |
منقاش ما هو عزوة تطرونه | شبلي أبو الونات | واحة شعراء المنتدى | 24 | 12-17-2007 02:01 AM |
غزوة راس المال القادمة | فاعل خير | منتدى الاقتصاد والمال | 3 | 08-11-2007 03:59 AM |
![]() |
![]() |
![]() |