رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
( أصناف البشر )
( أصناف البشر ) ( أصناف البشر ) ( أصناف البشر ) ( أصناف البشر ) ( أصناف البشر )السلام عليكم ورحمة الله وبركاتةحكمة تصنيف البشر الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله الذي فاوت بين عقول البشر، فترتب على هذا التفاوت في العقول تفاوت في السعي والمقاصد، وجعل فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة في الله! اقتضت حكمة الله عز وجل أن يخلق الجنة والنار، وأن يخلق لكل واحدة منهما أهلاً، يخلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يعمر هذه الحياة بالمخلوقات، ويعطيهم من العقول والأدلة ما على مثله يؤمن البشر، كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يقوم صراع عنيف منذ بدء الخليقة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، ابتداءً من الساعة التي أهبط الله عز وجل فيها آدم من الجنة، وقال: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36]، وما زالت هذه العداوة بين إبليس وذريته وبين آدم وذريته باقية وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبناءً على هذه العداوة، وبناءً على تلك الحكمة الربانية كان الناس أصنافاً من البشر، وكان الناس معادن، وكانوا كالأرض التي يعيشون عليها: تربة تمسك الماء وتنبت الكلأ، وينفع الله بها الناس، وتربة تمسك الماء فتنفع الناس في شربهم، وتربة هي قيعان لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء. ثم أقام الله عز وجل الحجة على كل البشر؛ بحيث لا تبقى حجة لأحد على الله عز وجل، ومن هنا قسم القرآن الناس إلى أحد عشر قسماً، وإن كانوا في الأصل قسمين: فريق في الجنة وفريق في السعير، لكن لما كان هناك تفاوت في درجات الخير وفي درجات الجنة، وهناك تفاوت أيضاً في مراتب الشر ودركات العذاب؛ قسم الله عز وجل هؤلاء البشر -كما تدل آيات القرآن- إلى أحد عشر قسماً، وكل واحد من هذه الأقسام الأحد عشر يقول الله عز وجل فيها: (وَمِنَ النَّاسِ)، (وَمِنْهُمْ)، (فَمِنْهُمْ)، وإذا جاءت: (وَمِنَ النَّاسِ)، (فَمِنَ النَّاسِ)، (وَمِنْهُمْ)، (فَمِنْهُمْ)؛ فإنما تعني أنواع البشر، بخلاف ما ورد في سورة التوبة؛ فإن كل آية وردت في سورة التوبة فيها وَمِنْهُمْ [التوبة:49] -وهي في أربعة مواضع- فالمقصود بها المنافقون فقط، أما ما سواها في القرآن فإنها تعني أقسام الناس جميعاً. وحينما نمر مروراً عابراً على هذه الأقسام الأحد عشر -ولعل بعضها يدخل في بعض- نجد العجائب في خلق الله، ونجد التفاوت في هؤلاء البشر، فمنهم من يعيش في القمة، ومنهم من يعيش في أسفل دركة من دركات هذه الحياة، ولذلك فإن المؤمن وهو يسمع أخبار القوم عليه أن يختار أفضل المراتب وأعلى المنازل، من أجل أن يكون في أعلاها يوم القيامة، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم الأول: المنافقون من البشر وصفاتهم لقد تحدثت أوائل سورة البقرة عن نوع واحد فقط من هذه الأنواع الأحد عشر، وهم المنافقون؛ لأن المنافقين ذكروا في ثلاث عشرة آية في سورة البقرة، وذلك بعد أن ذكر الله عز وجل صفات المؤمنين في أول السورة، ثم ذكر صفات الكافرين في آيتين، ثم ذكر بعد ذلك في ثلاث عشرة آية صفات المنافقين فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10]، ومن ثَم نريد أن نعرف معنى النفاق الذي احتوى هذا النوع الأول من هذه الأنواع. النفاق لغة: هو إخفاء الأمر، وفي الاصطلاح الشرعي: إظهار الإيمان وإبطان الكفر. والنفاق ينقسم إلى قسمين: نفاق عملي، ونفاق اعتقادي، والنفاق الاعتقادي هو الأعظم والأفظع -نعوذ بالله من شره- وهو الذي يقول الله عز وجل عن أهله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النساء:145-146]، وهؤلاء يبطنون في قلوبهم الكفر، ويظهرون الإيمان أمام الناس. أما النفاق العملي: فهو الذي يتصف بالصفات الأربع أو بواحدة منها: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر)، إلى غير ذلك. ومن المعلوم أن النفاق لا يوجد إلا في فترات متقطعة من فترات التاريخ، وهي فترات عِزَّ الإسلام، فإذا كان الإسلام عزيزاً في زمن ما أو في بلد من البلاد وجد النفاق؛ لأن أصحابه يهدفون من ورائه إلى حماية أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من المسلمين، الصنف الثاني: اللاهثون وراء الدنيا النوع الثاني من أنوع هؤلاء البشر كما قص القرآن علينا أخبارهم: هم الذين يقول الله عز وجل عنهم لما ذكر أحكام الحج، وذكر الناس وتفاوتهم: قال: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200]، هؤلاء القوم ليسوا بمنافقين، ولكنهم كفار غير مقنعين؛ بل هم مكشوفون، فليس لهم هدف إلا الدنيا، ولا يريدون إلا الدنيا، ويسعون كل سعيهم في سبيل الدنيا .. الدنيا هي همهم الوحيد؛ فمن أجلها يحبون، ومن أجلها يبغضون، ومن أجلها يوالون، ومن أجلها يعادون، وإيمانهم بالآخرة -إن كان هناك إيمان- ضعيف لا يمكن أن يقف على رجليه مع حبهم للدنيا، وحتى إذا سألوا الله تعالى لا يسألونه إلا الدنيا، فأحدهم: يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200]، أي: آتنا في الدنيا حظاً ونصيباً، وليس له حظ في الآخرة؛ لا في دعائه ولا في عمله ولا في رجائه، ولا فيما عند الله عز وجل. هؤلاء نجدهم اليوم أيضاً يكثرون بين الناس، ونجد أن أحدهم وإن كان له شيء من الهدف في الآخرة؛ لكنه يضرب بهذا الهدف عرض الحائط إذا تعارضت مصالحه المادية مع الدينية، فنجد أن هناك أقواماً ليسوا أعداءً للإسلام، ولا يحملون الحقد للإسلام كما يحمله غيرهم، ولكنهم يعتبرون هذا الدين شيئاً كمالياً، فإذا تعارضت مصالحهم المادية مع دينهم ضربوا بمصالحهم الدينية عرض الحائط، واتجهوا إلى الدنيا يصلحونها ويعمرونها، ولو أدى ذلك إلى خراب حياتهم الآخرة! هؤلاء الناس لا يريدون إلا الدنيا، الصنف الثالث: عُمار الدنيا والآخرة النوع الثالث من أنواع البشر: نوع جاء بعد هؤلاء مباشرة في سورة البقرة: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:201-202]، هذا النوع من البشر يعمرون الدنيا، لكن يضعونها في أكفهم، ويعمرون الآخرة ويضعونها في قلوبهم، ويعلمون علم اليقين أن الدنيا جسر ومعبر للحياة الآخرة، ويعلمون أن الإنسان لا يمكن أن تستقيم أموره، وأن الكون لا يمكن أن يستمر وجوده إلا بعمارة هذه الحياة الدنيا، ولذلك فإنهم يعمرون الدنيا والآخرة، لكنهم يعمرون الدنيا لهدف محدود للدنيا نفسها، ويعمرون الآخرة من أجل رضا الله عز وجل، ولذلك فإنهم إذا دعوا الله عز وجل يسألونه الدنيا والآخرة: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، فهم يسألون الله تعالى الدنيا والآخرة، ولكنهم يعضون بأنيابهم على الحياة الآخرة فلا يقدمون عليها أي شيء, وإذا تعارضت مصالحهم المادية مع دينهم فإنهم يضربون بمصالحهم المادية عرض الحائط ليحتفظوا بدينهم؛ لأن هذا الدين هو الذي من أجله خلقوا، ومن أجله استعبدهم الله عز وجل به. هذا النوع الثالث هو الذي يجب أن يكون عليه الناس أجمعون؛ لأن الإسلام كما يكره الروحانية المنحرفة الموغلة؛ يكره أيضاً المادية المفرطة التي لا تؤمن بالأديان، ولذلك نحن نعيش الآن بين طرفي نقيض في أيامنا الحاضرة: الشيوعية الإلحادية المادية التي تنكر كل القيم والروحانيات، ولا تعترف بواحدة منها، فهذه نحن نرفضها؛ لأننا أمة خلقنا لهدف؛ ولأن الخالق هو الله سبحانه وتعالى، ونؤمن بالحياة الآخرة، وبالأديان، وبالرسول، وباليوم الآخر، أما الشيوعية فلا تؤمن بشيء من ذلك، فنحن نرفض الشيوعية ونعتبرها كفراً وإلحاداً، ونشكر الله سبحانه وتعالى أن هدانا بفضله. وعلى الطرف الثاني من النقيض: الصوفية الموغلة في الروحانية، والتي لا تعطي الجسم شيئاً من حقه، وإنما تعطى الروح وحدها، وهذه أيضاً نحن نرفضها، يقول الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، أي: بين طرفي نقيض، وهذه الوسطية سواء كانت في جغرافية الأمة الإسلامية، أو أخلاقها، أو عاداتها، أو عباداتها، أو سلوكها، تبرز دائماً. وإذا نظرنا إلى الإسلام في أي مجال من المجالات وجدناه دائماً يتوسط بين طرفي نقيض، فمثلاً: يعيش الآن نظامان اقتصاديان في العالم: نظام يسمى: الرأسمالي الصنف الرابع: من يتخذ الدين مطية للإفساد في الأرض عن النوع الرابع من أنواع البشر جاءت هذه الآيات لتصفهم مباشرة، يقول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204]، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ [البقرة:206]. هذا النوع من البشر له كلام معسول يعجب الناس، وإذا تحدث يأخذ بألباب الناس، وإذا تكلم عن الإسلام بدأ يمدحه، ويصفه بأنه دين الحياة والرقي والتقدم، وإذا كان له مطلب من مطالب الدنيا اتخذ الدين مطية، وبدأ يظهر أمام الناس بمظهر الرجل الصالح المصلح، فإذا ظفر ببغيته، وحصل على مراده، وأدرك أمنيته؛ ضرب بدين الله تعالى عرض الحائط، لماذا؟ لأن الهدف قد انتهى، والمهمة قد تحققت، ولذلك فإنه: يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204]، على اختلاف بين المفسرين في معنى: (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فقيل: أي: حديثه عن الدين، وقيل: حديثه عن الدنيا فقط، وعلى كل فإن الرأي الأول أولى؛ لأنه قال بعد ذلك تَوَلَّى) أي: أعرض وانتهت مهمتة، كما اختلف علماء التفسير في معنى: (تَوَلَّى)، فقال بعضهم: إذا ولي منصباً من مناصب المسلمين، فما دام يهدف إلى هذا المنصب؛ فإنه يعد الناس ويمنيهم وسيفعل وسيفعل، وسيعيد عصر الخلفاء الراشدين، لكنه إذا ظفر بمراده ضرب بدين الله عز وجل عرض الحائط، وأصبح أكبر عدو للإسلام، أو انتهى من مهمته، وحصل على بغيته، بعدها سعى في الأرض فساداً: لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْل [البقرة:205]. هذا أخطر أنواع البشر، وهو في أخبث المنازل؛ لأنه يخدع الناس حتى يوصلوه إلى مركزه ومطلبه، ويبذلون له كل غال ونفيس في سبيل إيصاله إلى أن يتولى أمراً من أمورهم، فإذا به يضرب بهم عرض الحائط، وإذا به يتحداهم ويتحدى دينهم وأخلاقهم وفضائلهم. وهذا النوع كثير في حياة الناس، ولو نظرنا إلى كثير من زعماء العالم الإسلامي الذين كانوا يعدون ويمنون، ويقولون: سنفعل وسنصلح، حتى إذا صعد أحدهم واعتلى على الكرسي إذا به العدو اللدود لدين الله عز وجل ولأوليائه، ومن هنا امتلأت السجون بالأبرياء، وتحولت السجون إلى معتقلات في أكثر العالم الإسلامي، فالأبرياء الذين يعيشون في معتقلات الطغاة والظلمة في أيامنا الحاضرة يساوون آلاف الأضعاف بالنسبة للمجرمين الذين يعيشون في السجون العادية، لماذا؟ لأن هؤلاء إذا تولى أحدهم قلب ظهر المجن على أولياء الله، وأصبح عدواً لدين الله عز وجل، ولذلك أخبر الله عز وجل أن هؤلاء يهلكون الحرث والنسل -نعوذ بالله- وذلك بأن يفرضوا من الفساد والطغيان والانحراف في الأرض ما يكون سبباً في دمار هذا العالم، ولذلك تنقطع الأمطار، وتتوقف الخيرات بأسباب هؤلاء، فيهلك الحرث -أي: الزرع- ويهلك النسل والمواشي وحتى البشر بأسباب هؤلاء الصنف الخامس: البائعون أنفسهم لله وابتغاء مرضاته هذا النوع هو الذي بلغ الذروة في الاستقامة والصلاح، في مقابل الذين يفسدون في الأرض ويهلكون الحرث والنسل، وإذا قيل لأحدهم: اتق الله، وأمر بطاعة الله، تكبر وتغطرس، وشمخ أنفه، وعلا برأسه، بالرغم من هذا هناك قوم في ذروة الاستقامة، من هؤلاء القوم؟ هؤلاء القوم هم الذين يشرون أنفسهم -أي: يبيعونها لله عز وجل- بينما أولئك يبيعون أنفسهم على الشيطان، ولا يرحمون أنفسهم، ولا يرحمون الأمة التي يعيشون معها، هؤلاء يقابلهم قوم يشرون أنفسهم لله عز وجل، ولذلك يقول الله تعالى عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ [البقرة:207]، أي: يبيع نفسه، كلما جاءت (يشري) بدون التاء فمعناها البيع، وليس الشراء، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:207]. نزلت هذه الآية في رجل من المؤمنين قصته عجيبة، هذا الرجل هو صهيب الرومي رضي الله عنه، فقد كان من المؤمنين الأتقياء الفقراء المظلومين في مكة، ولما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة كان صهيب الرومي رضي الله عنه من أثرى أهل مكة، ما الذي فعله صهيب ؟ أخذ أمواله ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف له المشركون في الطريق، وقالوا: يا صهيب ! أنت الرجل الدخيل فينا، أتيت من بلاد الروم رجلاً فقيراً، وإذا بك اليوم تحمل هذه الأموال الطائلة، والله لا نتركك أبداً، فقال: وماذا تريدون مني؟ قالوا: نريد كل أموالك، فقال: هذه كل أموالي خذوها، ودعوني ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: الآن فاذهب، فلما وصل إلى المدينة وجدهم يتلون هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207]، فإذا بالمسلمين يقابلونه في الطريق ويهنئونه بهذه البيعة على الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم من ضمن هؤلاء، ويقول له: (ربح البيع أبا يحيى). إن الذين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله موجودون في كل عصر، وهم يبيعون أنفسهم وأموالهم وحتى راحتهم، ويعيشون ولو في قلق في هذه الحياة من أجل أن يظهر دين الله عز وجل، وهؤلاء هم الذين يدخلون ضمن هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:207]، ولذلك أخبر الله تعالى أن هؤلاء باعوا أنفسهم وأموالهم على الله بالجنة، كما قال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111]، ولما نزلت هذه الآية قام عبد الله بن رواحة وقال: (يا رسول الله! ما لنا؟ قال: الجنة، فقال: يا رسول الله! ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل)، يعني: لا نريد ثمناً غير هذا. ولذلك فإن من المؤمنين اليوم عدداً كثيراً -والحمد لله- باعوا أنفسهم على الله عز وجل، وقدموا أنفسهم ولو غضب أعداء الله ولو غضب الطغاة، وقدموا دماءهم في سبيل الله عز وجل من أجل أن يظهر دين الله ولو حصل ما حصل. ولذلك فما وقف الطغاة في الأرض مشدوهين أمام قوم أكثر من هؤلاء؛ لأن هؤلاء هم الذين لا يبالون بالموت، ولا بكل ما يخسرون من متاع الحياة الدنيا في ذات الله عز وجل. منقول للفائدة |
مواقع النشر |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
حيوانات خيرٌ من بعض البشر | فاعل خير | الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي | 4 | 06-16-2007 01:29 AM |
أنواع البشر ...!!!!! | أبو عبيدة | الــمـنـتـدى الـعـام | 2 | 03-07-2006 03:03 PM |
العِبر من أخبار من سخر من سيد البشر | ABO TURKI | إلا رســـول الله | 4 | 02-01-2006 12:13 AM |
البشر جننو البقر | بن سافر | الــمـنـتـدى الـعـام | 2 | 09-06-2005 09:02 PM |
البصر والسمع | ابن الوادي | الــمـنـتـدى الـعـام | 3 | 08-13-2005 12:02 PM |