كيف تتحكمين في نفسك؟

[ورد الجوري]

كيف تتحكمين في نفسك؟ كيف تتحكمين في نفسك؟ كيف تتحكمين في نفسك؟ كيف تتحكمين في نفسك؟ كيف تتحكمين في نفسك؟

قصة لأغرب اسم لجامع في العالم يسمى "صانكي يدم":

يروى الأستاذ الفاضل أورخان محمد علي في كتابه الشيق "روائع من التاريخ العثماني" قصة جامع يسمى "صانكي يدم" وترجمتها بالعربية: كأنني أكلت أو أفترض أني أكلت.

ووراء هذا الاسم الغريب تختفي قصة أغرب يحكيها لنا الأستاذ الفاضل "أورخان"، فيقول: (كان يعيش في منطقة فاتح في اسطانبول شخص اشتهر بالورع اسمه "خير الدين كجي أفندي"، وكان هذا الرجل عندما يمشي في السوق تتوق نفسه لشراء فاكهة أو لحم أو حلوى يقول في نفسه: "صانكي يدم"، أي: كأنني أكلت، ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له.

ومضت الأشهر والسنوات وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل، ويكتفي بما يقيم أوده فقط، وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا حتى استطاع بهذا المبلغ الموفور القيام ببناء مسجد صغير في منطقته، ولما كان أهل المنطقة يعرفون قصة الرجل، وكيف أمكنه بناء المسجد مع فقره، أطلقوا عليه اسم صانكي يدم أو مسجد "كأنني أكلت").

[كتاب شهوة تبني مسجدًا، (179)]

وهنا يأتي السؤال: لماذا خلق الله الشهوة في الإنسان؟

ونحن نقول: إن الشهوة ركبها الله في الإنسان للبناء لا للهدم، إن قضية الجنس من أخطر المنعطفات في حياة المراهق، ولقد أضحت قضية الجنس من أكثر مشكلات المراهقة تعقيدا، إذ أن فورة الجنس تتأجج في هذا السن لدى الفتيات والفتيان مع كثرة المثيرات، ومن هنا تشتد الحاجة إلى حسن التفاهم مع طبيعة المراهقة ثم وضع التدابير التي تجنب الفتى والفتاة مواطن الانحراف والغواية.

وهنا نتساءل: ما نظرة الإسلام إلى الطاقة الجنسية ودوافع الجنس؟

إن الدين يعترف بالغريزة الجنسية ويوجها، ولم يكن الله الذي زود الإنسان بأجهزة التناسل وركب فيه غريزة الجنس، يحرم عله استعمال هذا الأجهزة بتاتا، ولم يكن الله ليترك للإنسان حرية التصرف كاملة في هذه الأجهزة بلا ضابط فيكون كالحيوان.

إن الدين الحنيف يوجه الغريزة الجنسية في الحلال الطيب الذي لا لوم فيه ولا حرمة، وهو الزواج، الذي فيه تكريم للمرأة والرجل وللأسرة والمجتمع. [علم نفس النمو، حامد زهران، (418]

وليس للجنس مشكلة في الإسلام فقد خلقه الله ككل طاقة حيوية ليعمل لا ليكبت، إنه يقره كما يقر الدوافع كلها، ثم يقيم أمامها حواجز لا تغلق مجراها، ولكن ترفعها وتضبط مجراها، فهي أشبه بالقناطر، تقام أمام التيار النهري فتضبطه وتخفف من أضراره.

[منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، (2/196)]، [من كتاب مراهقة بلا أزمة، د/أكرم رضا، (128)]

الجنس ليس محرمًا في الإسلام

ليس الجنس في ذاته موضوعا محرما في الإسلام، والإسلام لا يستقذر الدافع الجنسي في ذاته، بدليل قوله تعالى: (( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم )) [الحديد:27].

وقوله r: (( حبب إلي من الدنيا الطيب والنساء، وجُعل قرة عنيي في الصلاة )) [رواه أحمد في المسند، (3/128)].

وقوله r: (( وفي بضع أحدكم صدقة )) [أخرجه البخاري، كتاب النكاح، (50063)].

ثم إن الجنس في الإسلام يمارس باسم الله، ويقرأ اسم الله عليه وهو أهر وأعظم الأسماء، ومن هنا لا ينشأ الاضطراب في النفس من مشاعر الجنس، ولا من كل ما يتعلق به من عمل إنما ينحصر الاستقذار في جريمة الجنس، وهي كجريمة السرقة والقتل وكغيرها من الجرائم فكلها دنس يستقذره الإسلام لأنها تجاوز لما أمر الله به واغتصاب لحق لا يحق للإنسان اغتصابه.

[منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، (2/216-218)]

يقول الله تعالى: (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلًا )) [الإسراء:32]، فالإسلام لا يستقذر الجنس، ولكن لا يطلق من عقاله يستعبد الإنسان بالشهوة، فهو يضبطه بحيث يبيحه في الحدود المشروعة التي شرعها الله، ويدعو إليه عندئذ ويشجع عليه، وهو يضبطه بحيث يجعله مشاعر مودة ورحمة لا مجرد شهوة حيوانية، يقول الله عز وجل: (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) [الروم:21]، كما أنه يضبطه فيجعله أسرة وأطفالا وتنظيمات اقتصادية واجتماعية وفكرية وأخلاقية شاملة.

[منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، (2/220)، من كتاب الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري].

التربية الجنسية الشرعية هي الحل وليست التربية الغربية

واليوم نجد هناك دعوة تأتي رياحها من مجتمعات أخرى لتعليم التربية الجنسية ولقد علمنا من واقع هذه المجتمعات ما المقصود بهذا العنوان، بل ورأينا نتيجته في واقع تلك المجتمعات.

ونحن نرفض أن نلخص التربية الجنسية في تدريب الفتاة على الأسلوب الذي تتفادى به الحمل أثناء العلاقات الآثمة في سن المراهقة، أو الذي يتفادى به عدوى مرض الإيدز في هذه العلاقات المحرمة.

ولكن التربية الجنسية هي القيم والمبادئ التي من خلالها يعبر الشاب وتعبر الفتاة تلك المرحلة ليصلوا إلى بر الإمان والتي تتلخص في قوله تعالى: (( والذين هم لفروجهم حافظون إلى على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين )) [المعارج:29-30]، وقال تعالى: (( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلًا )) [الإسراء:32].

إن تربية الفتيان والفتيات على آداب الإسلام منذ الصغر ضرورة ملحة ليقفوا عند حدود الحلال والحرام فلا تهاون ولا تجاوز لهذه الحدود.

الإسلام هو الضابط في قضية التربية الجنسية

وقد وضع الإسلام ضوابط تحد من انحرافات الجنس وجعل هنالك تدابير شرعية توصد باب الغواية، فسن آداب الحجاب وغض البصر وآداب الاستئذان ومنع الاختلاط، ولو اتبعت هذه الآداب والضوابط لحلت كثير من مشكلات المراهقين الجنسية. [مراهقة بلا أزمة، د/أكرم رضا، (131)]

وهنا يأتي السؤال العملي: كيف تتحكم الفتاة في الشهوة وضبطها؟

ونحن نقول إن دافع الجنس على الرغم من فاعليته وحركته، لا يلح في الإشباع إلا إذا أثير بواسطة مثير داخلي أو خارجي، ولقد وضع الإسلام العلاج الأكيد والضوابط الشرعية التي تساعد كل فتاة على التحكم في الشهوة وهذه الضوابط هي:

1- الابتعاد عن كل وسائل الإثارة، فالوقاية خير من العلاج، فتجنبي كل ما يثير من كلمة أو صورة أو حقيقة ملموسة.

2- ارتداء الحجاب الشرعي، وفي ذلك منع للإثارة فلا يظهر من الفتاة شيئا من حسن أو جمال إلا في بيتها أمام محارمها، قال تعالى: (( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )) [الأحزاب:33]، (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) [النور:31]، واحذري العطر خارج المبيت.

3- عدم الاختلاط بين الجنسين، لسد ذرائع الفتنة ونزغات الشيطان، وقد حرم الإسلام الدخول على النساء لغير المحارم فقال r: (( لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما )) [رواه أحمد:1/ج18]، وقال r: (( لأن يُطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له )) [الترغيب والترهيب، للمنذري، (3799)].

4- غض البصر:

قال تعالى: (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )) [النور:31]، وقال تعالى: (( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولًا )) [الإسراء:36]، وقال الشاعر:

كل الحوادث مبداها النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

(لا شك أن الغاية التي يهدف إليها الإسلام من غض البصر إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، ولا تستثار فيه الغرائز في كل حين) [تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان، (1/805)].

(هذا وإن النظرة الخائنة والحركة المثيرة والزينة المتبرجة والجسم العاري لكها لا تصنع شيئا إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون وأن يفلت زمام الأعصاب والإرادة) [دستور الأسرة في ظلال القرآن، (266)].

5- الالتزام بآداب الاستئذان:

قبل دخول البيوت حتى لا تقع عين الداخل إليها على عوراتها أو عورات من فيها، والاستئذان داخل البيت نفسه من البنات في ثلاثة أحوال، قبل صلاة الفجر، وفي وقت القيلولة (الظهيرة)، ومن بعد صلاة العشاء، كما جاء في الآية فتستأذن الفتاة على الأبوين قبل الدخول عليهم لئلا يقع البصر على شيء يثير كوامن النفس وهو أدب الإسلام الرفيع.

6- الابتعاد عن مخاطر التلفاز والشاشات الفضائية.

7- التورع عن الوقوع فيما حرم الله؛ قال تعالى: (( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلًا )) [الإسراء:31].

8- الزواج المبكر في حالة الاستطاعة:

ففي الزواج سكن نفسي وإشباع غريزي، وإحساس بالنوع وشعور بالتكامل والنضج، وهو الطريق الفطري الطبيعي لتلبية الحاجة الغريزية والميل إلى الجنس الآخر، قال r: (( يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )) [أخرجه البخاري ومسلم]، كما أن تأخير الزواج مخالف للشرع ومصادم للسنة الكونية، والفطرة الإنسانية. [ملخص من كتاب تربية المراهق في الإسلام]

9- تقوية الصلة بالله:

كيف يكون ذلك؟ (عن طريق مراقبة الله عز وجل في السر والعلن، فتعلمي أن الله مع الإنسان يراقبه ويراه ويعلم سره ونجواه ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)، [تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان].

قال الشاعر:

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة وأن ما تفعله عليه يغيب

تقوية الخوف من الله، والمحافظة على العبادات وإتقانها، التعلق بالآخرة، والمواظبة على تلاوة القرآن، وصلاة التهجد، وصيام التطوع، وقراءة سيرة الرسول r والصحابة وأمهات المؤمنين، وتذكر الموت، والارتباط بالرفقة الصالحة، وحضور دروس العلم، كل ذلك يقوي الجانب الإيماني والصلة بالله عند الفتاة.

10- بناء العفة والحياء والوقار، كيف ذلك؟

قال تعالى: (( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله )) [النور:33].

وإليك هذه الخطوات البسيطة:

أ‌) ازرعي الوقار والسكينة في قلبك؛ قال بشر بن كعب: (مكتوب في الحكمة أن من الحياء وقارا وأن من الحياء سكينة) [متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الحياء، (5652)]، يوضح لنا ذلك الإمام القرطبي رحمه الله فيقول: (أي أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار، بأن يوقر غيره ويتوقر هو في نفسه، ومنه ما يحمله أن يسكن عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة) [فتح الباري، ابن حجر، (17/299)].

ب‌) أن تعملي بما جاء في هذا الحديث الجامع لصفات الحياء:

عن عبد الله بن مسعود عن النبي r، أنه قال: (( استحيوا من الله حق الحياء ))، فقلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: (( ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء )) [رواه الترمذي، باب صفة القيامة والرقائق والورع، (2382)].

إذن فالوسيلة الأولى: حفظ الرأس وما حوى وهو يتكون من مفردات هي: العين والأنف والأذن واللسان وقبل كل ذلك وبعده الفكر.

11- املئي حياتك بكل ما هو مفيد ونافع، واشغلي فراغك، فإن النفس إن لم نشغلها بحق شغلتنا هي بباطل.

والخلاصة

أن تعامل الفتاة مع قضية الشهوة هي سد كل الذرائع التي تهيج الشهوة في غير محلها وغلق الأبواب وتجفيف المنابع، وصرف هذه الطاقة إلى أهداف أخرى والتسامي والعفة إلى حينها، وعند توتر الظروف المناسبة يكون الزواج المبكر.

ويمكن تلخيص ما ذكرنا في النقاط التالية:

1- الابتعاد عن وسائل الإثارة وتجفيف المنابع وغلق الأبواب.

2- الالتزام بالحجاب الشرعي.

3- عدم الاختلاط.

4- التأدب بآداب الاستئذان.

5- غض البصر.

6- الابتعاد عن الفواحش.

7- تجنب مخاطر التلفاز وقنوات البث المباشر.

8- الزواج المبكر.

9- بناء العفة والحياء.

10- املئي حياتك بكل مفيد ونافع.

11- تقوية الصلة بالله والخوف منه، والمحافظة على العبادات والتعلق بالآخرة.

منقـــــــــــــــــــول

[امووورة]

باركك الله

[محمود عادل]

مشكورين على هذا الموضوع

[ورد الجوري]

مشكورين على المرور
يعطيكم العافيه

[الدانه]

جزاك الله خيرا على القصة المفيدة فيها الكثير من الفوائد والعبر .

فعلا الأنسان يستطيع أن يتحكم في نقسه مهما كانت الصعاب وهذا يرجع إلى حكمته ورجاحة عقله وقبل ذلك الرجوع إلى الله تعالى .

[ورد الجوري]

مشكورين على المرور
يعطيكم العافيه