عندما تتحول قسوة الحياة إلى هذيان وغياب للوعي

[صقر قريش]

عندما تتحول قسوة الحياة إلى هذيان وغياب للوعي عندما تتحول قسوة الحياة إلى هذيان وغياب للوعي عندما تتحول قسوة الحياة إلى هذيان وغياب للوعي عندما تتحول قسوة الحياة إلى هذيان وغياب للوعي عندما تتحول قسوة الحياة إلى هذيان وغياب للوعي

الأمراض النفسية والعقلية ليست حِكرا على سن معينة فهي تصيب الكبار والصغار المسنين والأطفال والأعراض قد تختلف حسب السن، وقد ترتبط بعض الأمراض بسن معينة، فالعته مثلا لا يصيب إلا المسنين والعته معناه تآكل واضمحلال خلايا المخ ويصاحب ذلك تدهور شديد في الذاكرة وضعف القدرات الذكائية واضطراب في السلوك والتفكير، وأيضا يزداد الاكتئاب مع تقدم الانسان في العمر، واكتئاب المسن قد يدفعه إلى الانتحار بسبب سيطرة الإحساس بعدم الأهمية كما يتصور المسن أنه مصاب بمرض خبيث أو مرض معدِ.
والمسنون يتعرضون لمؤثرات اجتماعية قاسية تساهم في إصابتهم بالأمراض النفسية والعقلية فتقاعد المسن عن العمل من أقسى الأحداث التي يتعرض لها والتي تعني له فقدان الأهمية، فقدان القوة والسلطان والوجاهة الاجتماعية، كما يترك الأبناء البيت بالهجرة أو الزواج فتقل زياراتهم للمسن مما يجعله صيدا سهلا للمعاناة النفسية، وقد يضعف البصر والسمع أو يزولان تماما وتيبس المفاصل وتقل الحركة ويزيد الألم، أو يضعف القلب بسبب جلطة وقد يرتفع ضغط الدم.
نعود مرة أخرى لعته المسن الذي يصيب حوالى 1 % من المسنين وقد يحدث في سن مبكرة حوالى الخمسين من العمر، ينسى المريض الأحداث القريبة ويتذكر جيدا الأحداث البعيدة وتدريجيا يزحف التآكل على كل الذاكرة ويصبح المريض كالتائه فلا يستطيع أن يتابع أو يواصل الحديث ولا يستطيع أن يقوم بالعمليات الحسابية البسيطة وتتدهور الحالة تدريجيا فيتوه عن المكان ويصبح قلقا كثير الحركة، وبعد ذلك يصاب الجهاز العصبي فترتعش أطراف المريض وقد ينتهي الأمر بشلل.
العته يصاحبه أيضا اضطراب عقلي من أعراضه الهلاوس والضلالات والكآبة.. و العته قد يكون مرضا أوليا بمعنى اضمحلال الخلايا وتآكلها بدون سبب واضح وقد يكون ثانويا، وأشهر أنواع العته الثانوي يحدث بسبب تصلب شرايين المخ وهو يصيب الرجال أكثر من النساء ويبدأ تدريجيا، وقد يحدث التدهور فجأة بعد صدمة نفسية مثل فقدان الزوجة أو الزوج والتقاعد عن العمل أو خسارة مالية فادحة، والنسيان للأحداث القريبة سمة مميزة مع نوبات تشوش الوعي تزيد مساء وتنعدم نهارا وقد تأتي على المريض أوقات يبدو فيها طبيعيا وأوقات أخرى تسوء حالته والنهاية هي اضمحلال تام للقدرات العقلية، والمسنون يتأثرون بأحداث الحياة القاسية وأشدها وفاة شريك الحياة فيصاب المسن بالأسى أي الحزن الشديد وتداهمه الأعراض الجسدية وينقبض وينعزل أكثر ويقل طعامه أو ينعدم ويعاني تدهورا سريعا في صحته العامة قد تنتهي بموته ليلحق بشريك حياته.
أما الشيء الذي يثير القلق في الأسرة هو ظهور الاضطراب السلوكي عند المريض مثل السرقة أو تبذير الأموال أو إساءة التصرف في ممتلكاته وهذا ليس انحرافا جاء في سن متأخرة ولكن الاضطراب السلوكي للمسنين يعني أن هناك خللا في المخ، وتحديدا في الفص الأمامي للمخ أي أن هناك مرضا عضويا أدى إلى هذا الاضطراب السلوكي، وكذلك ظهور الأعراض العصابية كالقلق والوساوس والمخاوف يعني وجود خلل عضوي، والهياج والأرق من المشاكل التي تواجه الأسرة ولا يدرون ماذا يفعلون، الأسرة في هذه الحالة تحتاج إلى مساندة قوية من الطبيب أو المستشفى أو من بيت المسنين.
والعقاقير النفسية تعطى بجرعات صغيرة للمسنين لأن الجرعة الكبيرة قد تؤدي إلى الهذيان وتشوش الوعي.
والهذيان لدى المسنين يحدث لأسباب كثيرة أهمها هبوط القلب وقلة الاكسجين للمخ.
الهذيان معناه تشوش الوعي والخوف والهلاوس البصرية وأيضا ضلالات الاضطهاد وعدم التعرف على الزمان والمكان والأشخاص، هذا المريض يجب أن نهدئ من روعه ونطمئنه، ونحيطه بالهدوء وبالوجوه التي يعرفها ويطمئن إليها، ثم نزوده بالفيتامينات لصحته ومضادات الاكتئاب لأجل تخفيف أعراض الاكتئاب لديه، كما أن المنومات يجب أن تعطى بكميات صغيرة وبحذر، والمهم التأكيد على الغذاء الكامل والصحة العامة، كما أن شغل وقت فراغ المسن يساعد على وقايته من الاضطرابات النفسية، ويساعده على الشفاء منها، وإحاطة المسن بالحب والاهتمام يفيد المريض ويساعده على الشفاء، بعض المسنين يمرضون لأن أحدا لا يتحدث إليهم ولا أحد يزورهم، أي لا يرون بشرا، إن الرعاية والاهتمام بالمسنين سلوك حضاري حتى آخر لحظة في حياتهم.. وليتذكر كل إنسان نفسه لو طال به العمر في المستقبل.. من منا يستطيع أن يهرب من هذه المرحلةِ الحتميةِ من العمر؟.
د. مها محمد حسن فقي
أخصائية مخ وأعصاب.

[مخبر سري]

بارك الله فيك