سالم ( التائه في جبال مقسا ) ..

[المقداد]

سالم ( التائه في جبال مقسا ) .. سالم ( التائه في جبال مقسا ) .. سالم ( التائه في جبال مقسا ) .. سالم ( التائه في جبال مقسا ) .. سالم ( التائه في جبال مقسا ) ..

لازلت اسرح بخيالي وأسري بعيدا ً ولم اكتفي من التفكير بسالم ؟؟
مر يومين وانا مشغول الفكر بهذا الطفل الذي لم يحضى بالعناية والاهتمام منذ نعومة أظفاره !
اسمه سالم ونرجو الله ان يعود سالم ،في يوم الجمعة الماضي اصطحبني صديق عزيز يدعى ابو عمار لمنطقة جبلية وعرة من بين منطقة ميسان وبني سعد وبالتحديد في مقسا ، المنطقة تمتد نزولاً الى تهامة تحيطها الجبال الشامخات والمرتفعات الوعرة جداً وتكسوها اشجار العرعر وبعض اشجار جبلية كثيفة هالني منظر تلك المنطقة وانا اسير بسيارة قوية من نوع جيب شيروكي،وبعد زمن ساعتين من السير بين مكأدة تلك المنطقة توقفنا لنكمل رحلتنا البحثية والكشفية مترجلين ع الاقدام حيث منزل سالم ؟؟؟
وعورة المنطقة اعطتها هيبة ورهبة من نوع آخر ! فإبن الخمسة أعوام ونصف إعتاد التجوال بين هذي الهضاب الشاهقة والجبال النايفة، فُقد اكثر من مرة من بين هاتيك المرتفعات وبحسب ما يرويه اخويه ان ابن الخمسة اعوام ونصف لا يجد غضاضة ابداً من المبيت بين الاحجار والكهوف الصخرية وذلك لم اعتاده منذ ولادته وهو يعيش وأخوته بين هذه الأحجار، حيث لا يمكن لاحد ان يصل لكهفهم الحجري الا مشياً على الأقدام او يكون ذا تمكين ويهبط اليهم بطائرة نفاثة !!
ان اشد الحزن الذي اعتراني هو منظر تلك الأسرة الذي تكونت من ام وستة ابناء وهم يكابدون اشد انواع النفي والإقصاء في تلك المنطقة دون شفقة من والدهم الذي سكن المدينة وتزوج منها وجعل يوم واحد في الأسبوع لزيارة ابنائه وزوجته في تلك المنطقة !!
ولا نعلم هل كانت زيارته لهم ام لتلك الماعز الذي يأمل ان تعود عليه بوافر من المال !!

عبدالغفور عاشق من جنسية باكستانية يبعد عن بيت سالم قرابة الساعة والنصف مشياً على الأقدام، حين مناشدته عن حقيقة أختفاء سالم في المرة السابقة أفاد قائلاً :
كنت بين ابنائي في المزرعة نهتم بالمحصول وبينما نحن منشغلون في ذلك بدى علينا طفل في المزرعة بدت ملامحه متعبة وشاحبة ! كيف لا وهو قام بالإرتحال من منزله حين الصباح وتوقف به المسير قبيل المغرب ينشد رشفة ماء تروي عطشه او كسرت خبز تسد جوعه !! ولا اقول حليباً او سريلاكاً..
لم يتورع عبدالغفور عاشق من اغاثة هذا الطفل وتقديم العناية له حتى نام من بعد رحلة شاقة تخللتها متاعب وصعوبات الله وحده بها عليم ؟*
من بكرية اليوم الموالي سائله عبدالغفور عن ابن من انت؟ ومن اي منزل هربت؟ ولماذا عن اهلك رحلت ؟؟
بعد مداولة الحديث بينهما تعرف عاشق الاب عليه واعاده لأهله ..
سالم لم يكن راضياً ابداً بتلك الحياة التي كان اهله عليها وقرر الهروب مرة اخرى بعد ان يأس تماماً من عبدالغفور الذي كان قد وعده بالا يعيده لأهله ؟؟!!!

في هذه المرة كانت اخته التي تكبره بسنتين تناديه بأي سالم لا تحاول تركنا مرة اخرى وهو يرد قائلاً لن اعود الى هنا ثانية ابداً !

نعم كان سالم مصمماً على الهروب ولكن الى حيث لا احد يعلم ابداً ابداً ...

في طريق عودتنا كنت ارى ارتال من سيارات الأمن قد ترجل منها عساكر باحثين عن سالم ، من بينهم عبيد ذلك العسكري الذي يقول عنه ابو عمار انه ذا خبرة كبيرة ودراية بالمنطقة.
تقدمنا اليه نناشده ان يحلل لنا دوافع طفل لم يبلغ السادسة في الهرب ! وماذا سيكون موقفه الان وقد مضى على غيبته اكثر من عشرة ايام ؟؟
فتح علبة السجائر وانتشل واحدة وأوقدها ثم قذف بكمية كبيرة من دخانها دفعة واحدة وقال : ( لا احد يستطيع التنبؤ بسالم وبأفعاله خصوصاً اذا عرفنا ان له محاولتين سابقتين في الهروب ! لكنها لم تتجاوز الثلاث ايام ، بينما اليوم مضت عشرة ايام واخشى ان اصيب سالم بمكروه لا قدر الله عليه )..

عدت الى منزلي ولاتزال هذه القصة تؤرقني حيث ان تفاصيلها الحقيقية والتي وقفت عليها تنافي العقل !! وتجسد ان في محيط مجتمعنا قلوب اقسى من الصخر ؟

اعادك الله يا سالم لأهلك سالماً*
ويكفيك من غيبتك ان استطعت ان تجعل الجهات المعنية وحقوق الإنسان النظر في حال اخوتك الذين ذاقوا النفي والإبعاد بدون أي جرم اقترفوه ..