ودقّت ساعة السّفر بحثاً عن التّراث (1)

[خلف بن عبدالعزيز الثمالي]

ودقّت ساعة السّفر بحثاً عن التّراث (1) ودقّت ساعة السّفر بحثاً عن التّراث (1) ودقّت ساعة السّفر بحثاً عن التّراث (1) ودقّت ساعة السّفر بحثاً عن التّراث (1) ودقّت ساعة السّفر بحثاً عن التّراث (1)

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدلله القائل في محكم تنزيله(قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذّبين)
وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمد بن عبدالله والذي كان من أدعيته في السّفر قوله صلّى
الله عليه وسلّم| اللهم إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى, ومن العمل ماترضى,اللهم
هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده,اللهم أنت الصّاحب في السّفر,والخليفة في الأهل,اللهم
إنّي أعوذبك من وعثاء السّفر ,وكآبة المنظر,وسوء المنقلب في المال والأهل|.

ومن أبسط تعاريف السّفر:أنّه الانتقال من مكانٍ إلى آخر في رحلة,ولأسبابٍ متعدّدة.
وسُمي السّفر سفراً؛لأنّه يسفر عن وجوه المسافرين,وأخلاقهم فيظهر ماكان خافياً منها.
والسّفر من النّاحية الشرعية ينقسم إلى:
1ـ سفرطاعة/ كالسّفر إلى الحج,والعمرة,والجهاد,وصلة الرّحم,و.... .
2ـ سفر مباح/وهدفه التّجارة,والسّياحة,والصّيد,و.. .
3سفر معصية/ ترتكب فيه والعياذ بالله المحرّمات,ومنه سفر المرأة بدون محرم,وزيارة
القبور بهدف التّعبد,و....... .

وقد عرّف أحدهم السّياحة بقوله: أنّها نشاط السّفر بقصد الترفيه,وتوفير الخدمات المتعلّقة
بهذا النّشاط,.
وأنّ السّائح: هو الشّخص الذي يقوم بالانتقال لغرض السّياحة ,ولمسافةٍ لاتقل عن ثمانين
كيلا من منزله.
وهناك من قسّم السّياحة إلى:
سياحة مغامرات - سياحة ترفيهيّة - سياحة دينية - سياحة ثقافية - سياحةعلاجيّة
سياحة بيئية سياحة بحرية - سياحة تراثيّة - سياحة مؤتمرات - سياحة تسوّق
سياحة رياضة.
وقد ذُكر أنّ السّفر قطعة من العذاب,وهناك من قال أنّه متعةٌ داخل تعب .
وهو -أي السّفر- كسرٌ للروتين,والرّتابة,وتغيير يلزم عند الثّبات طويلا.

أمّا بالنّسبة لأخيكم في الله,لم يكن هدفه من السّفر التّباهي,والتّفاخر لكي يقال عنه بأنه سافر
إلى البلد الفلاني,وغادر من البلد الفلاني فقد سبقني الكثير في مثل هذا,بل ووصلوا إلى بلدانٍ
لم أكن بالغها.
وقد قال الإمام الشّافعي رحمه الله:

تغرّب عن الأوطان في طلب العلا = وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تفـــرُّجُ هـــمٍ واكتـساب معيــــشةٍ = وعلـــمٌ وآدابٌ وصحبـــــة مـــاجدِ

وكلٌ له هدفه في السّفر كما ذكرنا سابقاً,وقد كان هدف أخيكم هو البحث عن التّراث
العربي الإسلامي ليس إلا.نعم أيّها الإخوة,والأخوات إنّه التّراث,والذي قد شغفني حبا
ذلك أنّني أرى فيه الأصالة,والتّاريخ,والجغرافيا,والفنون بجميع أنواعها,وكثيراً ما
يأخذني الحنين ,والشّوق إلى الأجداد,والأمم السّابقة ,والذين كانوا يلمسون بأيديهم
هذه الآنية التّراثية القديمة,وتلك الكأس الأثريّة التي كان أحدهم يشرب فيها,وإلى ذلكم
الحصير والذي كانوا يجلسون عليه. إنّ وقوفي على التراث أيّها الأحبة في الله يذكرني
بوقوف العربي على الأطلال ,والدّيار ,كما أجد في المقتنيات الأثريّة,والآثار عبق الماضي
الجميل.
وأيّ بلدٍ ليس به تراث بجميع أنواعه لا يعتبر بلدٍ متحضّر,وقد يوضع على تاريخه علامات
استفهام كثر.

وما التّراث العربي الإسلامي الهائل,إلا تكملةً للتراث القديم ,والمأثور عن الحضارات
القديمة كاليونانية,والرّومانيّةووالفارسيّة,والفرعونيّة,وال آشورية,والبابليّة,.....
لكنّه قد وصل إلى ذروته في التّنوع أبّان الحضارة الإسلاميّة ,وحينما كانت أوروبا
تغط في سبات عميق ,ولن نجد التّراث على سبيل المثال لا الحصر في الأمريكتين
ولا في استراليا,ولافي دول الشّرق الآسيوي ذو الطّبيعة الخلاّبة,ذلك أنّ العالم الجديد
حديث عهدٍ في تكوينه إذ لم يكن معروفا إلا من خمسة قرون نتيجة الكشف الجغرافي
على يد كلٍ من أمريكو فسبوتشي,وكرستوفر كلمبس,وماجلاّن الرّحال الذي بالفعل
أثبت كروية الأرض.

التّراث أيّها الأحبة موجود مابين المحيطين,ويعظم وجوده في شبه الجزيرة العربية
وبالذّات ,وبدون مبالغة في مملكتنا الحبيبة,ولكم تألّمت كثيراً على نزوحه إلى الأستانة
أبّان الحكم العثماني ,فلكم أن تتصوروا مقتنيات للرسول صلى الله عليه وسلّم,وللصّحابة
رضي الله عنهم,وللتابعين هي اليوم في متاحف استنبول,وفي متحف اللوفر,وغيرها
وهاهو التّراث العراقي ينزح هو الآخر إلى ماوراء الأطلسي حينما قامت الحرب بين
العراق ,وقوى التّحالف, هذا التّراث الأكادي الآشوري البابلي قد نزح ,ووجدتُ أشلاءً
منه ,وقطعاً في الشارقة يبتاعها أحد العراقيين بمبالغ خياليّة,وحينما سألته لم لا تحتفظ
بهذه القطع النّادرة في العراق العظيم ؟ أجابني قائلاً إنّها ستذهب إلى ماوراء الأطلسي
فأحببت أن أهرب بها إلى هنا لأبيعها على الأشقاء العرب و لتبقى في البلاد العربية.
ولقد مررت أيّها الأحبة على الكثير من المتاحف,والآثار,وأسواق التراث, في الخليج
العربي ,ووجدت أنّها تغص بتراث مملكتنا الحبيبة فهل من عودةٍ له إلى موطنه الأصلي؟؟؟

أمّا قصّة حبي للتراث،و قصّة وضع النواة الأولى لمتحفي الصّغير ،و الذي سيكبر بمشيئة
الله في يومٍ من الأيام فهي تتمثل في ( أنّني كنت ذات يومٍ أتفئُ ظلال بيتنا في وادي السواعدة
سقاه الله غيثاً هنيئاً مريئاً ،وحينما كنت أحتسي فنجاناً من القهوة ،و جالساً على أريكتي أُقلب
نظري ما بين جبل النصباء ،ووادي العُشرة إلا و بنظري يقع على بيتنا الحجري القديم إنه
البيت الذي وُلدت به ،وترعرعت فيه سبع سنين فقط حتّى رحل بنا أبي رحمه الله و أسكنه
فسيح جنّاته إلى الطائف المأنوس.

هنا أيّها الأحبة أخذتني الذاكرة و الحنين معاً إلى أن أدع فنجان القهوة ،و أذهب إلى ذلك البيت
الحجري لأدخل فيه و إذا بركنٍ فيه قد انهدم حتى انّك تستطيع أن تشاهد السماء من داخل البيت
و عبر ذلك الركن ،و أخذت أدور حول البيت من الخلف لأجد حظيرة أغنام أبي المتهالكة ،و دمنةً
لم تتكلم، كما وقفت على الدّكة العتيقة و التي كان يجثو على جانبها زير الماء ،و مغرافه ،و كان
إلى جانب الزير ريحان تُسقى جذوره من قطرات الماء المتساقطة من الزير ذاته ثم دخلت
إلى البيت ثانيةً و قد اغرورقت عيناي بشئٍ من الدّمع الوفي لأجد عود الطريدة قد سقط طرفه
الآخر ،ثم نظرت إلى تلك النّوافذ و تذكرت نافذة (قُترة) كان يضع فيها أبي رحمه الله أشياءه
النفيسة ،ثم خرجت من البيت و أخذت أحلق في الجدار الحجري من الخارج لأذكر تلك
الأفاعي ،و الثعابين التي تخرج من ذلك الجدار و تسكن فيه و كأن بيننا و بينها علاقة ودٍ
واحترام فلا حجرٌ يقذف عليها منّا ،و لالسعات تهدّدنا بها هي الأخرى بل كنا سوياً ننزل
إلى الوادي لنستقي من البئر وترد هي معنا لتشرب دونما خوف من الآخر ،ولم نكن
نخاف إلا من الله ثم من زاحفٍ هو الأسود ،وكان إلى جانب البيت سقيفة هي بمثابة
المطبخ اليوم هنا تذكرت يوم أن كانت تقول لي والدتي أطال الله في عمرها : أيا بني ؟
اذهب و اردد علينا الغنم فوالله لو فعلت ذلك لأحمّلنّ لك المسواط عيشا ، و لأبلنّه لك في
السمن تقول لي ذلك و هي تعصد لناعصيدة لطالما انتظرتها اليوم ،ولكن ......
سامح الله الكتشب و المايونيز .

و بينما كنت كذلك أستعيد الذاكرة ، و حينما هممت بالمغادرة من البيت الحجري إلا و بنظر
يقع على حافة حديدة في الأرض مدفونةٌ تماماً عدا شكلها الهلالي فوق الأتربة ، والآخذ
بشكل القوس هنا استدعيت أخي فيصل ليأتي بالفاروع ،ثم أخذ أخي بالحفر عن تلك
الحديدة و هو يسخرمنّي و يتضجر و لولا الله ثم خوفه منّي لما حفر الأرض ،و عندما
أخذت الحديدة في الوضوح مع منتصفها عرفتها تماماً ،و هي لم تخرج بعد ، إنّها أيّها
الإخوة ،و الأخوات عبارة عن (صحن صيني) كانت والدتي أطال الله في عمرها تفرغ لنا
فيه الأُرز المطبوخ في اللبن لتُريق عليه شئٌ من السمن البلدي و ذلك عندما كنت في
السابعة من العمر ، هنا أيُها الأحبة لم أجمع ،ولم أقسم ،ولم أضرب ،بل قمت بالعملية
التالية: (49 - 7 = 42 ) إنّ لهذا الصحن أكثر من 42 سنة ، و سأريكموهُ حين
أشرع مستقبلاً في عرض تراثي المتواضع ورحلتي للبحث عنه ،ومن خلال منتدانا
الحبيب ،إلى ذلك الحين أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .

محبّكم / خلف بن عبدالعزيز الثمالي .