الانتقال للخلف   منتديات بلاد ثمالة > الإسلام والشريعة > منتدى مواسم الخير

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 08-03-2012
الصورة الرمزية صقر قريش
 
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

  صقر قريش غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة
افتراضي خُطَبّتى الجمعة

خُطَبّتى الجمعة خُطَبّتى الجمعة خُطَبّتى الجمعة خُطَبّتى الجمعة خُطَبّتى الجمعة

خُطَبّتى الجمعة من المسجد النبوي بتاريخ 8/9/1433 هـ


ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:

" فضائل و فوائد الصيام " ،

والتي تحدَّث فيها عن فضائل وفوائد شهر رمضان والصيام والقيام فيه.


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،
صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى أجمل ما أظهرتُم، وأكرمُ ما أسررتُم.
أيها المسلمون:
بنى لله الدينَ على قواعد لا يقوم إلا بها، ونوَّع - سبحانه - بين أركان الإسلام في الأداء؛
فمنها ما يُقام في اليوم مرات، ومنها ما يُؤدَّى مرةً فيالام، ومنها ما أُمِر بفعله في العُمر مرة،
ومنها ما يكون مُلازمًا للمُسلم في كل حينٍ وهما :
الشهادتان .
وهذه الأُسس تشملُ عبادةَ القلب واللسان والمال والجوارح، ليكون المرءُ كلُّه لله،
مُمتثلًا أمرَه في قوله:

{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)
لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }


[الأنعام: 162، 163].

وركنٌ في الإسلام جعلَه الله شهرًا كاملًا في العام ليتزوَّد فيه المسلمون من التقوى،
قال - سبحانه -:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

[البقرة: 183].

وخصَّ رمضان بالصوم؛ لأنه الشهرُ الذي أُنزِل فيه القرآن،
فيشكرُ المسلمون ربَّهم بالصيام في هذا الشهر؛
لأنه الشهر الذي حلَّت فيه السعادةُ للبشر بنزول القرآن وبعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه،
قال - عز وجل -:

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }

[البقرة: 185].

قال ابن كثير - رحمه الله -:
" يمدحُ تعالى شهرَ الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهنَّ لإنزال القرآن العظيم ".
ورفع الله قدر هذا الشهر؛ فأبوابُ الجنة تُفتح فيه وتُغلَّقُ فيه أبوابُ النار،
وتُصفَّدُ فيه الشياطين ليمتنعوا من أذى المؤمنين وإغوائهم،
قال - عليه الصلاة والسلام -:

( إذا جاء رمضان فُتِّحت أبوابُ الجنة، وغُلِّقت أبوابُ النار، وصُفِّدت الشياطين )

رواه مسلم.
قال ابن العربي - رحمه الله -:

" وإنما تُفتح أبوابُ الجنة ليعظُم الرجاءُ، ويكثُر العملُ، وتتعلَّق به الهِمم،
ويتشوَّق إليها الصابر. وتُغلَق أبوابُ النار لتُخزَى الشياطين، وتقِلَّ المعاصي".

وأساسُ التقوى إخلاصُ الأعمال لله وحده، والصائم يدَع شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده،
وهو سرٌّ بين العبد وربِّه لا يطَّلِع على صومه سوى الله، وتلك حقيقةُ الإخلاص والمراقبة لله.
في رمضان عباداتٌ تُكفِّرُ الخطايا؛ فصيامُه يغفِر الزلَّات والأوزار،
قال - عليه الصلاة والسلام -:

( رغِم أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضان ثم انسلخَ قبل أن يُغفَر له )

رواه الترمذي.

ومن حافظَ على صيامه كان وقايةً له من النار،
قال - عليه الصلاة والسلام -:

( الصيامُ جُنَّة )

متفق عليه.

قال ابن حجر - رحمه الله -:

" إذا كفَّ نفسَه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترًا له من النار في الآخرة ".

ومن صلَّى في ليله غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه،
قال - عليه الصلاة والسلام -:

( من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه )

متفق عليه.
قال النووي - رحمه الله -:

" والمرادُ بقيام رمضان: صلاة التراويح ".

شهرٌ مُبارَك، العُمرةُ فيه عن حجَّة،
قال - عليه الصلاة والسلام - لامرأةٍ من الأنصار:

( ما منعَكِ أن تحجِّي معنا ؟ )

قالت: كان لنا ناضِحٌ فركِبَه أبو فلانٍ وابنُه - لزوجها وابنِها - وترك ناضِحًا ننضحُ عليه.
قال عليه الصلاة و السلام :


( فإذا كان رمضان اعتمِري فيه؛ فإن عُمرةً في رمضان حجَّة )

رواه البخاري.

قال ابن الجوزي - رحمه الله -:

" فيه أن ثوابَ العمل يزيدُ بزيادة شرف الوقت كما يزيدُ بحضور القلبِ وبخُلوص القصد ".

في الصوم تزكيةٌ للبدن وتضييقٌ لمسالك الشيطان،
وهو يُهذِّبُ اللسانَ فيدعو إلى مُجانبَة الكذب وقول الحرام،
قال - عليه الصلاة والسلام -:

( من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه )

رواه البخاري.


قال ابن القيم - رحمه الله -:

" من جالسَ الصائم انتفعَ بمُجالسته، وأمِن فيها من الزور والكذب والفُجور والظلم،
فإن تكلَّم لم يتكلَّم بما يجرحُ صومَه، وإن فعل لم يفعل ما يُفسِدُ صومَه،
فيخرج كلامُه كلُّه نافعًا صالحًا ".

ورمضان شهر الكرم والبذل للفقراء، فإذا صام الغنيُّ تذكَّر من لا قوتَ له،
فيدعُوه ذلك إلى العطاء والسخاء.

سُئِل بعضُ السلف: لِمَ شُرع الصيام؟ قال:

" ليذوق الغنيُّ طعمَ الجوع فلا ينسَى الجائِعَ ".

رمضانُ نهارُه عبادةٌ بالصوم والدعاء ونفع المُسلمين،

وفي ليله دعاءٌ واستغفارٌ وتلاوةٌ للقرآن العظيم،
في ليله كانت مُدارسةً جبريل - عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -:

" كان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيُارِسه القرآن "؛

رواه البخاري.
الصيامُ جُنَّةٌ من أمراض الروح والقلب والبدن، قال ابن القيم - رحمه الله -:

" منافعُه تفوقُ الإحصاء، وله تأثيرٌ عجيبٌ في حفظ الصحة ".

في الصوم دقَّةُ العبادة، فجميعُ المسلمون يُفطِرون في وقتٍ واحدٍ، لا يتقدَّم أحدٌ على آخر،
ولا يسبِقُ واحدٌ واحدًا في الطعام.
الصائمُ يجمعُ حفظَ الجوارح الظاهرة وحراسة الخواطر الباطنة،

فينبغي أن يُتلقَّى رمضانُ بتوبةٍ نصوحٍ وعزيمةٍ صادقةٍ.
رمضانُ موسم التعبُّد لله،
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخُصُّه بالعبادة بما لا يخصُّ غيرَه من الشهور،
وكان الصحابة - رضي الله عنهم - أحرصَ الناس على العبادة في رمضان،
قال أبو هريرة - رضي الله عنه -:

" كانوا إذا صاموا جلسُوا في المسجد ".

وإذا فُتِح لك بابُ خيرٍ فبادِر إليه؛ فأبوابُ البرِّ لا تُفتحُ للمرء على الدوام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

[الحديد: 21].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم،
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ،

فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه،
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه،
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون:

الحكمةُ من تشريع الصيام: التقوى،
ومن التقوى: الإمساكُ عن الأقوال المحرمة كما يُمسِك عن الطام والشراب.

قال جابرٌ - رضي الله عنه -:

" إذا صمتَ فليصُم سمعُك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمآثِم،
وليكُن عليك وقارٌ وسكينةٌ يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فِطرك سواء ".

وقال أبو ذرٍّ - رضي الله عنه -:

" إذا صُمتَ فتحفَّظ ما استطعتَ ".

وإذا صُمتَ عن الطعام والشراب والأقوال الآثِمة فلا يكن للشيطان عليك سبيلًا بالنظر والسمع المحرم،

واجعل الجوارح كلَّها صائمةً لله.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه،
فقال في مُحكَم التنزيل:

{ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا }

[الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ،
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون:
أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ،
وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين،

واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم إنا سألك الإخلاص في القول والعمل، اللهم تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا،

اللهم أدخِلنا الجنةَ بغير حسابٍ ولا عذابٍ، اللهم حرِّم بشرَتنا ولحومنا عن النار.
اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحة، واجعلها لوجهِك خالِصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان،

اللهم انصر المُستضعفين من المؤمنين في كل مكان،

اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومثعينًا وظهيرًا،

اللهم قوِّ عزائِمَهم، وسدِّد رميَهم، واحقِن دماءَهم، واحفظ أعراضَهم وأموالَهم.

اللهم وأدِر دوائر السوء على عدوِّك وعدوِّهم،

اللهم إنا جعلُك في نحورهم، وندرأُ بك من شرورهم.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك،
ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك،
وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين .

عباد الله:

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

[النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم،
ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
رد مع اقتباس
قديم 08-03-2012   رقم المشاركة : ( 2 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: خُطَبّتى الجمعة

خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام بتاريخ 8/9/1433 هـ



ألقى فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:

" مزايا الصيام في الإسلام "،

والتي تحدَّث فيها عن مزايا الصيام في الإسلام وخصائصه
التي اختصَّ الله بها الأمةَ عن غيرها من الأمم.


الحمد لله الكريم المنَّان، أحمده - سبحانه - واهِبُ النعم، كريم العطايا، قديمُ الإحسان،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اختصَّ بالمزايا هذا الشهرَ المُبارك رمضان،
وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله صاحبُ المناقب الجميلة والصفات الحِسان،
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه.



فاتقوا الله - عباد الله -، واذكروا أنكم موقوفون عليه، مسؤولون بين يديه

{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }

[النحل: 111].

أيها المسلمون:

لئن كان الصيامُ فريضةً كتبَها الله على أهل الإسلام كما كان فريضةً على الذين من قبلهم من الأمم،
فإن للصيام في الإسلام من الخصائص والمزايا ما جعل منه تشريعًا إصلاحيًّا وتنظيمًا ربَّانيًّا رفيعًا،
يبلغُ به العبدُ الغايةَ من رضوان الله، ويحظَى عنده بالحُسنى وزيادة،
ويُحقِّقُ به التقوى التي هي خيرُ زاد السالكين، وأفضلُ عُدَّة السائرين إلى رب العالمين.

وإنها لخصائصُ ومزايا كثيرة، يأتي في الطليعة منها:

أنه سببٌ لتحقيق العبودية لله رب العالمين؛ إذ لا إمساك ولا إفطار إلا على الصفة
التي شرعَها الله ورسولُه - صلى الله عليه وسلم -، وفي الزمن الذي حدَّه، فإن الصائم عبدٌ لله
لا تتحقَّق عبوديَّته إلا بعبادته - سبحانه - وحده بما شرع، فجِماعُ الدين ألا يُعبَد إلا الله،
وألا يُعبَد إلا بما شرعَ - سبحانه -، ولن يصِحَّ للصائم صيامٌ ولا عبادة إلا إذا وُزِنت بهذا الميزان
التي تقوم كِفَّتاه على الإخلاص لله والمُتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ولذا كان الصومُ كلُّه - كما قال بعضُ أهل العلم -:

" كان الصومُ كلُّه خضوعًا للأمر الإلهي، فلا أكل ولا شُرب ولا مُتعة
بما حُظِر على الصائم بعد تبيُّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى غروب الشمس،
مهما جمحَت النفس، وطغَت شهوةُ الطعام والشراب".

ولا إمساك عن الطعام والشراب وما حُذِر في النهار بعد غروب الشمس مهما جمحَت طبيعةُ الزهد والتنسُّك،
فليس الحُكم للنفس والشهوة والعادة؛ لكن الحُكم لله وحده،
وكلما كان الصائمُ مُتجرِّدًا عن هواه مُنقادًا لحُكم الله،
مُستسلِمًا لقضائه وشرعه كان أصدقَ في العبودية وأطوعَ لله.

ومن مزايا الصيام في الإسلام - يا عباد الله - أيضًا: أنه عبادةٌ فرضَها الله على كل مُسلمٍ مُكلَّفٍ قادرٍ؛

فلم يقصُر وجوبَه على طبقةٍ دون طبقةٍ، ولا فئةٍ دون فئةٍ؛ كفئة النساء دون الرجال،
كما هو الشأنُ في الأمم السابقة، وفي بعض الديانات القديمة؛
بل جعلَه واجبًا على كل من شهِد منهم هلالَ الشهر برؤيةٍ صحيحةٍ مُحقَّقة،
مع استثناء أضحاب الأعذار من المرضى والمُسافرين والعاجزين عن الصيام لكِبَر سنٍّ ونحوه،

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }

[البقرة: 185].

ومن مزاياه أيضًا: أنه سدَّ ذرائعَ التعمُّق التي تذرَّع بها العربُ في الجاهلية وبعضُ من سبقَنا من الأمم،
فشرعَ ما لم يأذَن به الله بالزيادة فيه نوعًا أو عددًا ظنًّا منه بأنه قُربةٌ وزُلفَى إلى الله فأحدثَ وابتدَع،
فسدَّ الشارعُ ذرائعَ التعمُّق وردَّ ما أحدثَه المُتعمِّقون حين نهى عن صوم يوم الشك ويوم الفطر،
وحين رغَّب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل الفطر وتأخير السحور، وحثَّ عليه،
كما جاء في الحديث
الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما " عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

( لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطرَ )

وسدَّ ذرائعَ التعمُّق أيضًا حين نهى عن الوِصال -
وهو استمرارُ الصائم في صومه فلا يُفطِر اليومين أو الأيام -،
فجاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال:
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوِصال .. الحديث.
وفيه: أنهم لما أبَوا أن ينتهوا عن الوِصال
واصَلَ بهم - صلى الله عليه وسلم - يومًا ثم يومًا، ثم رأوا الهلالَ فقال:

( لو تأخَّر الهلال لزِدتُّكم )

- كالمُنكِّل لهم -، حين أبَوا أن ينتهوا.
غيرَ أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل لمن أراد الوِصالَ حدًّا لا يجوز له تجاوُزه،
وهو أن يُواصِلَ إلى السَّحَر،

كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه"
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

( لا تُواصِلوا، فأيُّكم أراد أن يُواصِل فليُواصِل إلى السَّحَر )

وهو كما قال الإمام ابن القيِّم:
"أعدلُ الوِصال وأسهله على الصائم، وهو في الحقيقة تأخُّر عشائه".
وسدَّ ذرائع التعمُّق أيضًا حين أباحَ للصائم ليلة الصيام الرَّفَث إلى النساء،
والأكلَ والشربَ وجميع ما حُذِر عليه بالصيام:

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا
مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ
مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }

[البقرة: 187].

ومن مزايا الصيام في الإسلام - يا عباد الله - أيضًا: أنه ليس رمزًا للحِداد، أو شِعارًا للحُزن،
أو مُذكِّرًا بالمصائب والرزايا، كما هو الحال في ديانات بعض الأمم السابقة؛
بل هو عبادةٌ وطاعةٌ وقُربَى، وسببُ تفاؤلٍ واستِبشار،
وباعثُ فرحٍ وسرور، بفضل الله وبرحمته، وكريم جزائه،
وحُسن ثوابه لمن صام إيمانًا واحتِسابًا،
كما جاء في الحديث:

( كل عمل ابنِ آدم يُضاعف الحسنةُ بعشر أمثالِها إلى سبعمائة ضِعف )

قال الله تعالى فى الحديث القدسى :

(إلا الصومُ فإنه لي وأنا أجزِي به، يدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي،
للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحةٌ عند لقاء ربه ..) الحديث

؛ أخرجه البخاري في "صحيحه".
وفي "الصحيحين" عن سهل بن سعدٍ - رضي الله عنه -
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

( إن في الجنة بابًا يُقال له الريان، يدخلُ منه الصائمون يوم القيامة،
لا يدخلُ منه أحدٌ غيرُهم، فإذا دخلوا أُغلِق فلم يدخل منه أحد )

أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، والنسائي، والترمذي،
وزاد: «ومن دخلَه لم يظمَأ أبدًا».
وفي "صحيح البخاري" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعَه:

( من صام رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه )

ومن مزايا الصيام في الإسلام أيضًا:
أن الإمساك ليس مُقتصِرًا عن الكفِّ عن الطعام والشراب والشهوة وسائر المُفطِّرات الحِسِّيَّة؛
بل جاء المنعُ أيضًا عن كل ما يُنافِي مقاصِدَ الصيام وغاياته، ويُضيِّع ثمراته، ويمحو آثارَه،
ويُنقِصُ من أجره،
كما جاء في الحديث:

( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخَب،
وإن سابَّه أحدٌ أو قاتلَه فليقُل: إني صائمٌ )

أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".
وفي الحديث أيضًا:

( من لم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه )

وفي حديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أنه قال:
سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

( الصيامُ جُنَّةٌ من النار كجُنَّة أحدِكم من القتال .. ) الحديث؛

أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والنسائي، وابن ماجه في "سننهما" بإسنادٍ صحيحٍ.

وكل أولئك - يا عباد الله - مما جعلَه الله تعالى سِياجًا واقيًا من الأدب والتقوى يحُوطُ صيامَ العبد
ويصُونُه من التلوُّث بأقذار المعاصِي، ويحفَظه من أوزارِ الذنوب.
ألا وإن تذكُّر الصائم هذه المزايا العظيمة الكريمة في الإسلام يجبُ أن يكون باعثًا على كمال الشكر لله تعالى
المُنعِم بهذه النعمة بتمام الحِرص على حُسن أدائها، ورعايتها حقَّ رعايتها،
وبالحذر من إضاعة فرصتها، وتفويتِ مغنَمها، والتفريط في جميل الموعود عليها.

نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا،
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله الكريم الرحيم، أحمده - سبحانه - حمدًا نرجو به الفضلَ السابغَ والخيرَ العميمَ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له

{ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

[آل عمران: 74]،

وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خيرُ من صلَّى وصامَ وسار على نهجٍ قويم،
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه والتابعين
ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

فيا عباد الله:

إن من مزايا الصيام في الإسلام: الجمعَ بين الإيجابية والسلبية،
فكما أنه لا طعامَ ولا شرابَ ولا رفَث ولا فسوق ولا لغوَ ولا كذبَ ولا غيبةَ ولا نميمةَ زمنَ الصيام،
فإن زمانه أيضًا زمنُ عبادةٍ ووقتُ طاعةٍ، وموسم تلاوةٍ وقيامٍ وذكرٍ، واستغفارٍ وتسبيحٍ،
وصدقةٍ وصِلةٍ وبرٍّ وإحسانٍ ومُواساة.

وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -:

"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودُ ما يكونُ في رمضان حين يلقاه
جبريل فيُدارِسُه القرآن، فلرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودُ بالخير من الريح المُرسَلة"؛
أخرجه البخاري في "صحيحه".

وأخرج الترمذي في "جامعه"، والنسائي وابن ماجه في "سننهما"،
وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" بإسنادٍ صحيحٍ
عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه
- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

( من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره غيرَ أنه لا ينقُص من أجر الصائم شيءٌ )

إلى غير ذلك من أنواع البرِّ والإحسانِ إلى النفسِ وإلى الخلق، وهو إحسانٌ لا حدود له،
حتى أصبح بهذا الإحسان أصبح هذا الشهر -
كما قال بعض أهل العلم -:
"ربيع الأبرار والمتقين،
وعيد العُبَّاد والصالحين، تتجلَّى فيه عنايةُ هذه الأمة بإقامة أحكام دينها، وإخباتها إلى ربها،
ورقَّة القلوب، والتنافُس في البرِّ، والمُواساة في أروع مظاهره مما لا تبلغُه ولا تبلغُ عُشر مِعشاره
أمةٌ من الأمم، أو طائفةٌ من طوائف بني آدم".

فاتقوا الله - عباد الله -، واشكروا نعمة الله عليكم؛ إذ هداكم للإسلام، ومنَّ عليكم بفريضة الصيام،
وخصَّها بمزايا لا نظيرَ لها عند غيرنا من الأنام، فأحسِنوا إن الله يحبُّ المُحسِنين،
وأرُوا اللهَ من أنفسكم فيه خيرًا تكونوا عنده من الفائزين المُفلِحين.

وصلُّوا وسلِّموا على خاتم النبيين ورسول رب العالمين؛ فقد أُمرتُم بذلك في الكتاب المبين:

{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

[الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ،
وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ،
وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خيرَ من تجاوزَ وعفا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين،
ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر دينكَ وكتابكَ وسنةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -
وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا،
وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء،

اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمُسلمين،
وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم المعاد.

اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة،

اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا،
وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا،
واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميعِ سخطك.

اللهم تقبَّل منا الصيامَ والقيامَ، الله اجعله صيامًا إيمانًا واحتسابًا

اللهم اجعلنا ممن يصومُ هذا الشهر إيمانًا واحتسابًا يا رب العالمين.

اللهم احفظ المسلين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في سوريا،

اللهم كن لهم، اللهم كن لهم، اللهم ارحم ضعفَهم، وابُر كسرَهم، وارحم موتاهم،
واكتب له أجر الشهادة في سبيلك،

اللهم اشفِ مرضاهم، واكسُ عارِيضهم، وأطعِم جائِعَهم، وفُكَّ قيدَ أسراهم.

اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، وانصرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا رب العالمين.

وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
فضل يوم الجمعة ؛؛؛ رفيق دربه منتدى الصوتيات والمرئيات 10 09-05-2011 05:53 PM
من سنن يوم الجمعة حامل القران الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي 4 05-27-2010 12:59 AM
الجمعة عااااااشقة المستحيل الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي 11 07-04-2009 02:37 PM
اذا صادف يوم الجمعة (عيداً) ... لجنة الإفتاء : من يصلي العيد لا تسقط عنه صلاة الجمعة أوالظهر عثمان الثمالي الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي 4 10-11-2007 10:18 PM
يوم الجمعة العميد15 الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي 3 05-20-2007 12:00 AM


الساعة الآن 01:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by