ازمة منتصف العمر حقيقة أم وهم؟

[ورد الجوري]

ازمة منتصف العمر حقيقة أم وهم؟ ازمة منتصف العمر حقيقة أم وهم؟ ازمة منتصف العمر حقيقة أم وهم؟ ازمة منتصف العمر حقيقة أم وهم؟ ازمة منتصف العمر حقيقة أم وهم؟

ان تقدم الدراسات الطبـية، والطبـية ـــ نفسية اكدت على ان الكثير من المفاهيم والعبارات التي كانت تستخدم لوصف حالة مرضية، او مرحلة من مراحل العمر، او صفة من الصفات الشخصية
قد ثبت عدم صحتها، ولا اساس علمي لها، وهي اي هذه المفاهيم( قد شاعت بـين الافراد دون تدقيق، او تمعن بمضمونها أو مدلولها... مثل استخدام كلمة ازمة Crisis ) ) ، التي تشير لغوياً
الى وجود صعوبات، أو عقبات، أو مشكلات تقف حائلاً امام تحقيق امال الفرد او رغباته، وتعترض مسيرة حياته.. وتؤدي الى مشاعر نفسية مؤلمة مثل الاحساس بالفشل، والقهر او الاحباط،
وبالدونية، وبحالة من القلق والتوتر والخوف، مع اعراض اكتـئاب، وانطواء، او استسلام، وقد يصاحب اعراض عضوية نفسية ــجسمية )سيكوسوماتية(، وغير ذلك من اضطرابات تطال الجانب
العضوي، والجانب النفسي، والجانب الفكري والاجتماعي لدى الفرد. وبمعنى اخر ان الازمة لا تكون ازمة الا اذا فشلت الخبرات والوسائل في تجاوز المشكلة او العائق، او اذا استعصت المشكلة 0
التي يواجهها الفرد على الحل. لهذا وحسب هذا التعريف اللغوي للازمة لا يمكننا حقيقة ان انقول بأن المرأة )وكذلك الرجل( تمر بما يسمى بأزمة منـتصف العمر. وهذا الكلام ينطبق تماماً على 0
مفهوم ازمة المراهقة أو على الاقل يذكرنا بما اشار اليه العالمان أرنولد جـيزل عام )1954(، وستانلي هول عام )1956( عندما تحدثا في كتابتهما عن ازمة للمراهقة، ووصفوا لنا من خلال
الدراسات النفسية والاجتماعية مرحلة المراهقة على انها ازمة عضوية، ونفسية، وعقلية واجتماعية... الخ وانها مرحلة مشاكل وصراعات نفسية يتعرض اليها المراهق بـين عمر )11 ـــ 21(
سنة وتـناقلت الأدبـيات والكتب الطبـية والنفسية والاجتماعية مفهوم الازمة دون تمحيص أو تدقيق، وما زال هذا المفهوم يتداول حتى يومنا هذا علماً بأن العديد من الدراسات التفسيرية )غير
الوصفية(، وكذلك الدراسات الانـثروبولوجية لم تؤكد على ما جاء على لسان ارنولد جـيزل وستانلي هول، ونفت وجود ازمة يتعرض اليها جميع المراهقين او جميع النسوة في منتصف اعمارهن
وتبـين ان هذا المفهوم خاطئ من حيث يصعب تعميمه على كل الناس، لقد اصبحنا في وقتـنا الراهن ومن خلال منظورنا للمراهقة كأزمة لدى المراهق نـتسامح مع المراهق اذا كذب، او ضرب، او
سرق، او فشل في دراسته، او اساء... الخ لاعتقادنا الخاطيء بأن المراه يعاني من ازمة جسمية او عقلية او عاطفية او اجتماعية وبالتالي علينا ان نـتقبل او ان نـتسامح تجاه هذه السلوكات
غير السوية. كلنا يعلم بأن هناك فروقاً بـين مراهق واخر حتى داخل نطاق الاسرة الواحدة، وهناك فروقاً بـين امرأة واخرى وذلك من حيث الثـقافة والوعي والنضج والخبرة في الحياة وهذا ما
يجعلنا نبتعد عن التعميم، وعن اصدار احكام قبلية ويفرض علينا كباحثين، ومثـقفين، واطباء، وعلماء نفس واجتماع، ان نناقش مفهوم الازمة لغويا، ونفسيا، واجتماعياً، وفكرياً... وبشكل حيادي
وموضوعي ودقيق وبالاعتماد على اسس علمية متطورة، والسؤال الذي يتبادر الى الاذهان هو ما يلي:
1 ـــ من الذي قال ان هناك ازمة سواء جسمية او نفسية او اجتماعية.. في منـتصف العمر؟ 2 ـــ ثم كيف تـم تحديد منتصف العمر؟ او ما هو منـتصف عمر المرأة؟
3 ـــ هل المعيار الزمني هو الذي يحدد منتصف العمر؟
في بعض البلدان المتقدمة مثل فرنسا اصبح متوسط العمر بفضل التـقدم الصحي والرعاية الصحية حوالي )75( عاماً. لذلك من الذي يقول ان متوسط عمر المرأة في )45 ـــ 55( سنة هو منتصف العمر لدى المرأة وكذلك الامر ينسحب على الرجل الذي يعتبر مسناً او شيخاً اذا تجاوز عمر الستين سنة، ولو فرضنا ان رجلاً ينقصه يوم واحد عن بلوغه عمر الستين فهل يعتبر بالامس رجلاً، وبعد يوم او في الغد يعتبر في عداد الشيوخ او المسنين، )ان البعض يتحدث عن ازمة منـتصف العمر لدى الرجل على غرار ما يقال عن المرأة(.

صحيح ان المرأة عندما تـتقدم في عمرها تـتوقف لديها الدورة الطمثية وذلك بسبب حدوث بعض الاضطرابات في الهرمونات الجنسية مثل الاستروجين، والبروجستيرون. كما يتوقف عمل المبـيض لديها، وقد تظهر بعض اعراض البرود الجنسي، وتحدث بعض الالتهابات الموضعية، او النـزوفات الرحمية، وقد ينكمش حجم الرحم، وتفقد الاعضاء التـناسلية شيئاً من مرونـتها... وهذا

قد يحدث فعلاً بـين عمر )45 ـــ 55( سنة، الا ان ذلك لا يعني منـتصف العمر. ولا يعني ان هناك ازمة. حيث ان هذه التغيرات يمكن ان تحدث في اي مرحلة من مراحل العمر السابقة وذلك بسبب
بعض الامراض او الاضطرابات النفسية، حتى ان الدورة الطمثية يمكن ان تـتوقف بسبب العديد من العوامل. والمرأة العادية التي تكون قد انجبت ما تريد من اطفال واشبعت حاجتها الى الحمل والولادة والامومة لا تشعر اذا توقفت دورتها الشهرية بعد ذلك بمشكلة كبيرة. او لا تشعر بوجود ازمة نهائياً، حيث لم تعد بحاجة الى مزيد من الحمل والولادة او الانجاب، )ونذكر هنا بأننا نـتحدث
عن ازمة منتصف العمر وليس عن العنوسة( اما الانـثى التي لم تـتزوج فقد تكون معاناتها اكبر الا انها سرعان ما تـتكيف مع الواقع، او تختار البدائل، واساليب التعويض، والمرأة الواعية تـنظر الى هذه الامور نظرة موضوعية بسيطة دون تعقيد، او تضخيم، وتهيئ نفسها لذلك، وعليها ان تعلم بأن هذه الاعراض لا تعني الكبر، او الشيخوخة او غير ذلك.

من ناحية اخرى فان الدراسات الطبـية المتطورة تؤكد ان المرأة ليست فقط متعة، وجنس، وجمال، بل هي اسمى من ذلك بكثير فهي زوجة، وام، وصديقة، وعون الرجل، كما انها خبرة،
وفكر، ومودة، وعطاء، ومصدر سعادة، وعطف وحنان، ويمكن للرجل الاستفادة من هذه القدرات التي تعتبر اكثر ديمومة. واكثر اهمية من متعة الجنس والحمل... من ناحية اخرى ان الدراسات الاجنبـية حول علم الجنس Sexology ) ) تشير الى ان المرأة الناضجة والواعية او المثقفة تستطيع بعد انقطاع الدورة الشهرية لديها ان توفر لنفسها ولزوجها الاشباعات العاطفية
والجنسية بشكل افضل من المرأة الصغيرة او غير الواعية او الجاهلة... مثلاً. لذا ليس غريباً ان نجد معظم الزوجات في العالم المتـقدم غالباً ما يكن من الكبار في اعمارهن )اكبر من الزوج
غالباً(. وحسب علم الجنس ان مفهوم الحب هو محصلة لعاطفة، وجنس، وفكر او شخصية، وعامل النضج الفكري او نضج الشخصية لا يتوفر في الغالب الا الى النسوة المتـقدمات في اعمارهن.

ومن ناحية اخرى ان رعاية الزوج لزوجته، ورعاية الزوجة لزوجها تجعلان العلاقة العاطفية والجنسية والاحساس بالسعادة تستمر الى نهاية الحياة شرط ان تـتوفر هذه الرعاية الصحية
والنفسية والاسرية بالشكل الصحيح، وهذا ما يجعل المرأة )والرجل( تجتاز مرحلة توقف الدورة الشهرية بشكل عادي ودون مبالغات او خوف او اضطرابات نفسية او جسمية. اذن اين المشكلة فيما يقال عن ازمة منـتصف العمر؟ لماذا الخوف والقلق والاكتـئاب، والصداع والاضطرابات؟ مما لا شك فيه ان بعض اجزاء هذه المشكلة ترجع الى المرأة ذاتها وذلك
بسبب عدم وعيها او نضجها، او ضعف ثقافتها، او جهلها، او ضعف ايمانها، بالاضافة الى تأثرها بأراء الاخرين. وبنظرة المجتمع اليها... وكذلك تكون هذه المشكلة بسبب التربـية الاسرية الخاطئة

والتميـيز بـين الذكور والاناث، والعادات البالية، وعدم وعي المجتمع بأهمية المرأة ودورها في الحياة الاسرية والاجتماعية، والنظرة المحدودة للمرأة من زاوية الجنس والمتعة والانجاب...

ووسائل الاعلام التي اصبحت تظهر استخدام مفاتن المرأة لترويج السلع التجارية... ان هذه العوامل وغيرها تؤثر في نفسية المرأة وتجعلها تـنظر لنفسها نظرة دونية مع مشاعر الدونية، والاحباط

والاكتـئاب، وهذا بدوره يؤدي او يزيد من الاضطرابات العضوية، ويجعل المرأة تنظر الى صورة جسدها بشكل ناقص او مشوه )Image body، ويصبح مفهومها عن ذاتها سالبا Self Conceptمما يزيد من آلامها النفسية ويجعلها اكثر بؤساً، وقد تخفي )او تكبت( بعض النساء هذه المشاعر او الصور المؤلمة، وتظهر امام الاخرين ما هو مغاير لذلك او مخالف للواقع (
Reaction Formation) ، الا ان عملية اخفاء المشاعر المؤلمة تكون مؤقته، ولان الواقع والمجتمع المتخلف يوقظ هذه المشاعر بـين حين واخر، لذلك نجد المرأة التي تعاني من هذه المشاعر السلبـية والمؤلمة غالباً ما تحدث نفسها بذلك )Self talking(، وهنا تكمن المشكلة اي في داخل المرأة وذاتها بالدرجة الاولى بالرغم من ان هناك عوامل متعددة تغذي ذلك )لذلك فإن
المرأة التي تشغر بوجود ازمة لديها بسبب تقدمها بالعمر يكون العلاج من داخلها وبالاعتماد عليها، {ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} صدق الله العظيم.

وقد تـتطور هذه المشاعر السبـية الى مشكلات اسرية، واجتماعية وغير ذلك. ومن المؤسف ان المجتمع الذكوري )كما هو الحال في مجتمعاتـنا العربـية( يعمل على التميـيز غير العادل بـين المرأة
والرجل، وذلك على حساب المرأة، وما زال ينظر للمرأة على انه متعة وجنس، وسمر، وانجاب، وما شابه ذلك. ووسائل الاعلام الغربـية )او عملية التخريب( تعمل بشكل مباشر او غير مباشر
على تعزيز ذلك.

فاذا كبرت المرأة في عمرها، او فقدت قدرتها على الانجاب، او ضعفت قدرتها الجنسية، او تعرضت لحادث ما، او ذبل عودها بسبب ما تبذله من جهد وعناء لرعاية اولادها وزوجها، او
مرضت... )وهي انسانة اولاً واخيراً( فان الرجل )الجاهل( غالباً ما ينظر اليها نظرة ضعف، او يأس، او نظرة دونية متـناسياً دورها العظيم في الحياة، ولعل بعض المحللين النفسانيـين يصيبون



عندما يعتبرون عملية انكار دور المرأة من قبل الرجل عبارة عن دفاع نفسي ومقاومة يكمن وراءها ضعف الرجل... احياناً والرجل يستطيع بحريته، ان يسيء للمرأة ودون ان يحاسب المجتمع
على فعلته، بـينما المرأة لا حرية لها في الغالب، او انها فقدت حريتها في هذا المجتمع الذكوري، لذلك كان عليها الرضوخ والاستسلام وهنا تكمن الازمة ايضاً، ولو كان الرجل صادقاً ومخلصاً

وواعياً بدور المرأة في الحياة، وقام برعاية زوجته صحياً ونفسياً واجتماعياً، لما شعرت المرأة هذه المشاعر السلبـية، بل كانت مشاعرها تـتصف بالقوة، والسعادة، والاحترام، والحالات التي ترد الى عيادة الطب النفسي تؤكد على ذلك، كما تؤكد على ان المرأة تحتاج الى المادة بقدر ما تحتاج الى رعاية نفسية واحترام وتـقدير وخاصة من المقربـين اليها بدءاً من اسرتها وزوجها... اذن
ننـتهي من ذلك ان لا وجود لازمة منـتصف العمر، وان هذه الازمة مصطنعة، وهي من صنع البـيئة المتخلفة، وان على الرجال والازواج تغيـير نظرتهم للمرأة، بل العكس على عالم الرجال والازواج الاستفادة من قدرات المرأة وخبراتها في الحياة، وهي قادرة على اشباع رغبات زوجها العاطفية والجنسية والاجتماعية، كما انها قادرة على تحمل انانية الرجل وعنفوانه، ولا خوف من
المستـقبل اذا كان هناك رعاية متبادلة واحترام متبادل، وعلى الرجل ان لا ينسى بأن ما يقال عن المرأة بشأن ازمة منـتصف العمر يقال ايضاً عنه، وباختصار ان هذه المرحلة المتـقدمة من عمر المرأة )او الرجل( هي مرحلة عادية من مراحل حياة الانسان، يمكن تجاوزها بسهولة وبشكل عادي ودون مضاعفات او خوف وقلق واكتـئاب فلا ازمة، ولا منـتصف عمر، ولا مخاوف من
المستقبل، والرعاية الصحية والنفسية والاهتمام المتبادلين هما من اهم عوامل الوقاية والعلاج والاستمرار.

المؤلف : د. فيصل محمد خير الزراد

[Naif]

جزاكم الله خير ورد الجوري عالمشاركه والتواصل المستمر

[ورد الجوري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Naif

جزاكم الله خير ورد الجوري عالمشاركه والتواصل المستمر

مشكور اخويه نايف على المرور
يعطيك العافيه

[الحمدان]

جزاك الله خير

[ورد الجوري]

مشكور اخي الحمدان على المرور
يعطيك العافيه