الحسك

[الحارث بن همام]

الحسك الحسك الحسك الحسك الحسك

السلام على أنصار البيئة ورحمة الله وبركاته .
سيكون الحديث اليوم عن عشبة صغيرة بعد شجرة أبي عبدالرحمن الباسقة ، وهي عشبة الحسك . والحسك عشبة معروفة في بلاد ثمالة ، وهي تنبت في أطراف الأودية والمزارع ، وسفوح الجبال ، وبين المناطق الصخرية :

وشهرتها ارتبطت بثمرتها ( الحسك ) التي تلتصق بأي جسم يلامسها من إنسان أوحيوان أو غيره ، وهو نبات تفترش أغصانه الأرض لمسافة تصل نصف المتر وأكثر ، وقد ترتفع الأغصان عن الأرض قليلا بنفسها احيانا ومستندة على ما حولها من صخر أو شجر احيانا ، وقد تلتف الأغصان على بعضها :

والأوراق خضراء شبه دائرية تغلب على أسفل الغصن ، ترعاها الأغنام وإن كانت تتأذى من الشوك حين يلتصق بأطراف أفواهها :

والثمرة دائرية تظهر حول العود وتغلب على أعلاه ، وهي مكسوة بالأشواك التي تساعدها على الالتصاق بالحيوان أو الإنسان الذي يلامسها ، تبدأ الثمرة خضراء ، ثم يصاحبها شيء من اللون الزهري ، ثم تصبح بيضاء ، وتصبح أكثر قدرة على الالتصاق :

وشوكها ليس شديد الإيلام ، بالرغم من السمعة السيئة التي تحيط به ، بسبب شدة التصاقه بملابس الانسان أو شعر الحيوان ، وصعوبة التخلص منه ، وخصوصا في شعر الحيوان ، وقد كانت إحدى وظائف الصغار تنقية شعر الأغنام منه ، وبالذات بعد ( الثّل ) وقبل ( الكردشه) . ( لتفسير هذين المصطلحين انظر : الشيخ منقاش ) .

جاء في لسان العرب : الحسك نبات له ثمرة خشنة تعلق بأصواف الغنم وكل ثمره تشبهها نحو ثمرة القطب والسعدان والهراس وما أشبهه حسك واحدته حسكة، وقال أبو حنيفة هي عشبة تضرب على الصفرة ولها شوك يسمى الحسك أيضا مدحرج لا يكاد أحد يمشي عليه إذا يبس إلا من في رجليه خف أو نعل .

قلت : هذا حسك آخر ليس هو ما أحدثكم عنه ، لأن شوك الحسك الثمالي ليس بهذه الشدة . ونقل في اللسان عن أبي نصر في قول زهير يصف القطاة :

جونية كحصاة القسم مرتعها
بالسي ما ينبت القفعاء والحسك

قال : إن الحسك ههنا ثمرة النفل وليس هو الحسك الشاك ؛ لأن شوكة الحسكة لا تسيغها القطاة بل تقتلها . قلت : اعتقد أن الحسك الثمالي من أنواع النفل .

ومن طريف ما يذكر أني كنت قبل سنين بعيدة ، في رحلة برية مع ثلة من الأماجد ، إلى ديار بني مالك ، وبتنا إحدى الليالي بسفح جبل ، وحين عزمنا في الصباح على المغادرة وجدنا أسفل الفراش قد امتلأ بأشواك الحسك ، وكان معنا شاعر ملهم صميدع لا يشق له غبار ، فقام لتوه وارتجز قائلا :

سلام رديه
ياالديرة الحيه
بالخير مسقيه
حتى الحسك فيها

وكان معنا شاعر آخر لا يقل عنه شأواً ، هجاء مفوّه ، فأجابه حالا قائلا :

عساك بالحيه
ذا الحين وشويه
تغدي كم الكيه
من يلحسك فيها ؟

وكنا جميعا مذهولين من قوة قريحة الشاعرين وبداهة قولهما ، فانصرفنا وكلنا يقول : صدق من قال : إن الجن تتكلم على أفواه الشعراء !!!! .