المقالات التربوية الاحد 19-4

[صقر قريش]

الندوة : الأحد 19-04-1431هـ العدد 646
التعليم الأهلي .. والاستثمار الوطني
فاتن إبراهيم محمد حسين
لقد دعم القطاع الخاص- ممثلا في التعليم الأهلي- برامج وزارة التربية والتعليم وساندها منذ تأسيس دولتنا الفتية على يد الباني - المغفور له بإذن الله تعالى - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ، لتعليم أبناء المجتمع وتربيتهم ، وقام بواجبه الوطني في الاستثمار في التعليم ، وأنشئت المدارس الأهلية في كافة مدن مملكتنا الحبيبة لتكون دعماً قوياً لشريحة عريضة من أبناء المجتمع قدمت الغالي والرخيص آملة أن يحصل أبناؤها على تعليم متميز وفريد يعمل على بناء الفكر وينمي المهارات ويكسب الفرد الخبرات والتجارب التي تصقل مواهبه وتنمي قدراته واستعداداته بما يحقق النمو للفرد والمجتمع . فهل حقق التعليم الأهلي في بلادنا ما يلبي هذه الطموحات؟.
أعتقد أن التعليم الأهلي كان وما زال يواجه الكثير من التحديات والمشكلات التي تقف حجر عثرة في طريق نموه وتقدمه ويلاقي الكثير من الإتهامات التي من أهمها إنه في كثير من أحواله لا يختلف عن التعليم العام في برامجه ومناشطه وكوادره البشرية وأنه يركز على مدخلات شكلية دون الاهتمام بجوهر العملية التربوية والتعليمية ، كل ذلك مع أن هناك بعض المدارس الأهلية في بعض من مدننا الحبيبة قد حققت قفزات تطويرية رائدة في مجال التربية والتعليم. ولكي يحقق التعليم الأهلي أهدافه ويلبي طموحات مجتمعه عليه أن يضع قاعدة تطويرية تستند على أولويات من أهمها: الاستفادة من خبراء في التنمية البشرية ومستشارون في توجيه دفة التعليم واكتشاف المواهب الإبداعية ، للإشراف على المدارس لتوجيه بوصلة التعليم فيها بما يحقق مخرجات تعليمية تحقق أهداف المجتمع وتلبي متطلبات سوق العمل وتعمل على تطويع عناصر البيئة والكون وتوظيفها للنمو الحضاري . كما أن هناك عنصراً أساسياً للارتقاء بمدارس التعليم الأهلي وهو تبني برامج التفكير ودمجها في المقررات الدراسية لتكون في صلب عمليتي التعليم والتعلم ، لتحقيق هدف استراتيجي وهو بناء الفرد القادر على مواجهة مشاكل الحياة وإيجاد الحلول الملائمة لها واتخاذ القرارات الصائبة لاستشراف مستقبل مشرق للفرد والمجتمع. ولا يخفى علينا أن لتعليم التفكير أهمية قصوى فهو فضلاً عن كونه مطلباً شرعياً ، حيث اشتمل القرآن الكريم على الكثير من الآيات التي تدعو للتفكر والتدبر والتفقه والتبصر ... وجميعها مهارات تفكير عطلها العقل المسلم لعدة قرون فاجتاحتنا قوى التخلف والركود ، وأصبحنا نسير في نهاية الركب . فالعقل هو أداة للتفكير التي ميز بها الله سبحانه وتعالى الإنسان عن غيره من المخلوقات . وقد أثبت العلماء أن للتفكير أثراً كبيراً على نمو الدماغ فالتصوير الإشعاعي وأجهزة الرنين المغناطيسي ... وغيرها أظهرت أن الأفراد الذين يستخدمون عقولهم للتفكير تنمو لديهم الخلايا الدماغية وتتفرع منها شعيرات عصبية مما يزيد من النمو الفسيولوجي للدماغ . وعلى العكس من ذلك فإن الأفراد الذين لا يستخدمون عقولهم تضعف لديهم الخلايا الدماغية وتضمر . وما حالات مرض الزهايمر الذي انتشر- والعياذ بالله - بشكل كبير إلا أحد الأسباب الرئيسة لعدم استخدام الدماغ في التفكير ، وصدق المثل الإنجليزي الذي يقول : استخدمه أو ستفقده ، Use it or lost it. بل لا بد للمسئولين عن التعليم الأهلي من وضع معايير دقيقة لاختيار الكوادر البشرية الإدارية والفنية ، فليس المقابلة الشخصية الشكلية هي كل ما نطمح إليه في توفير المعلم الكفء لتعليم النخبة من أبناء المجتمع . ولماذا لا تضع المدارس الأهلية برامج تدريبية لمعلميها ومعلماتها أثناء الخدمة ؟؟ وهو فعلاً ما تقوم به بعض المدارس الأهلية الرائدة لتقديم برامج التفكير مثل: الكورت والقبعات الست وسكامبر وغيرها من البرامج التدريبية وذلك للارتقاء بمستوى المعلم المهني. فنجاح العملية التربوية والتعليمية مرهون بمستواه العلمي والمهني ومدى مواكبته لمتطلبات العصر واستخدامه للتقنية وقدرته على حسن توظيفها وتوجيهها في عملية التعلم. بل فوق هذا وذاك لا بد من وضع خطط لرفع رواتب المعلمين والمعلمات للقضاء على ظاهرة التسرب من المدارس الأهلية والتي يترتب عليها الكثير من المشكلات التربوية والتعليمية التي تعيق تحقق الأهداف المطلوبة . فينبغي البحث عن حلول جذرية لهذه المشكلة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم أو عن طريق صندوق الموارد البشرية الذي وعد - ولأكثر من مرة عبر الصحف المحلية - بالمساعدة في دفع الرواتب. فالأمن الاقتصادي له دور كبير في الأمن النفسي والاستقرار الوظيفي بما يخدم تطور ونمو العملية التربوية والتعليمية . بل إنه حافز للمعلم لمزيد من الإخلاص والجد في العمل وإثراء خبرات الطلاب بالتجارب والاستراتيجيات الحديثة الناجحة. أعتقد أنه لو قدر للقائمين على التعليم الأهلي وضع الاستثمار في الإنسان فوق أي اعتبارات أخرى ، فإنهم يقدمون خدمة للوطن تكون نواة لتقدمه ورقيه ونهضته وهم بذلك يضربون أروع الأمثلة في الولاء والانتماء للوطن، الذي كان ومازال نبعاً رقراقاً للعطاء . وهنا يحضرني المثل الصيني الذي يقول : إذا أردت أن تحصد بعد عام فازرع قمحاً وإذا أردت أن تحصد بعد عشر سنين فأغرس شجرة وإذا أردت أن تحصد بعد قرن فعلم شعباً ، لأنك إذا زرعت قمحاً فإنك تجني مرة ، وإذا غرست شجرة فإنك تجني مرة كل عام ، وإذا علمت شعباً فإنك تحصد دائماً.
أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه ،،،
رئيسة شعبة اللغة الإنجليزية بمكتب
التربية والتعليم / غرب مكة المكرمة