الحارث بن همام
08-04-2008, 11:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من بنى سد السملقي ؟
هذا هو أحد الأسئلة التي عرضتها سابقاً , وقلت بأني سأجيب عنها لاحقاً , وعلاقة
هذا السؤال بموضوع هذه الحلقات (الموقع ) واضحة , فإن قلنا إن السد ليس
من بناء قبيلة ثمالة , كانت هذه النتيجة متساوقة مع بقية النصوص التي قرأناها ,
و إن قلنا إن ثمالة هي من بنى السد , فإن هذا يعني أن منازل ثمالة شمالاً أوسع مما حددناه ,
إذ لا يعقل أن تبني قبيلة سداً لتنتفع به قبيلة أخرى , ونحن نعلم أن الجراب
الذي يخرج من السد يظهر في الأصيفر , وقد يستمر إلى أبعد من هذا،
فلابد أن نقول إن هذه المنازل كانت للقبيلة التي بنت السد .
وقبل أن أجيب عن هذا السؤال لابد أن أقدم بمقدمة مهمة في نظري . وهي :
أن القول بأن ثمالة هي من بنى السد قول لا يزعجني ولا يؤلمني , بل يرضي غروري ,
وكم تمنيت أني استطعت أن أصل له ، ولو بأضعف طريق .
أقول هذا حتى لا يظن أني أقلل من أهمية السد و أثره على معنويات القبيلة ...
و أحدثكم بقصة حصلت لي قبل سنين , حيث زارني في الطائف اثنان من أصدقائي ,
فأحببت أن يريا آثار الطائف , فأخذتهما إلى قصر شبرا , حيث وجدنا الناس
متحلقين في بهو القصر حول قطعة كبيرة من عربة لها أربع عجلات ,
وقد كتب عليها : إهداء من سعيد الثمالي .
فنظرا إلي و قالا : ما هذا ؟ قلت : من تظنون أنه اكتشف العجلات في التاريخ ؟
قالوا : الصينيون . قلت : التاريخ تم تزويره , بل ثمالة , وهذا هو الدليل الضارب
في أعماق التاريخ ، فأنبهر الأول أما الثاني فابتسم بخبث , ثم قال :
ماذا كان أجدادك يفعلون بهذه العجلات ؟ قلت : ستعرف . ثم أخذتهم على عجل
حتى سطح سد السملقي , و أوقفتهم على تلك الصخور الضخمة , فقالوا :
من بنى هذا السد العظيم ؟ قلت : ثمالة . فهام الأول على وجهه حتى كاد يسقط من حافة السد .
أما الثاني فقال : وكيف حملوا هذه الصخور ؟ قلت : على تلك العجلات التي رأيتها
في المتحف . فبهت و أسقط في يده , وبقي برهة ينظر إلي دون حراك , ومعه عود من سلم ،
ينقر به فوق صخرة الجارية , و كأنه يقرأ في جبهتي سطوراً لم أكتبها قط .
عندها فقط ، شعرت بأني أكبر من صخرة الجارية , بل أكبر من السد .
ولكن إلى مدة يسيرة، ثم بحت لهما بحقيقة السد و العجلات .
أقول : ما أجمل أن يشعر المرء برضى الآخرين عنه ,
و أجمل منه أن يشعر بالرضى عن نفسه .
قلت هذه القصة وهي خارجة عن الموضوع حتى لا يظن بأني لا أستمتع
إذا ارتفع شأن القبيلة , لكني لا أرضى أن يكون ارتفاع الشأن مجرد دعوى .
لذا قررت أن أفرد هذه الحلقات للتعرف على من بنى سد السملقي . فأقول :
أولاً : الأقوال في تحديد من بنى السد :
لم أعثر على أي نص قديم يحدد من بنى السد , و جميع الأقوال في تحديد
من بناه معاصره، وهي تسير في اتجاهين :
الاتجاه الأول : أن السد إسلامي , وهو في الغالب من بناء الدولة الأموية .
وأغلب الباحثين المعاصرين يسيرون في هذا الاتجاه .
الاتجاه الثاني : أن السد جاهلي ، و السائرون في هذا الاتجاه على ثلاثة أقول :
1 – القول بأنه جاهلي قديم فقط , دون التحديد لمن بناه , ولا لحدود القدم ,
وهذا القول رأيته على الموقع الاكتروني لمصلحة الآثار و السياحة .
2 – القول بأنه جاهلي قديم من بناء العماليق , ورأيته منسوبا لباسلامة .
3 – القول بأنه جاهلي قديم من بناء قبيلة ثمالة ،
و أول من قال هذا – حسب علمي – هو المستعين بالله .
و القول الأول و الثاني في الاتجاه الثاني ليسا يعنياني ,
لأنهما لم يذكرا دليلاً على اتجاههما لنناقشه , ولأنهما لا يتعلقان بموضوعي
( منازل ثمالة قديماً ) حيث لم ينسبا هذا السد لثمالة , بل القول الثاني نسبه لغير ثمالة
( العماليق) و ثمالة ليست من العماليق . أما القول الثالث فهو الذي يعنيني هنا , لأمرين :
الأول : أنه يتعلق بموضوعي ( منازل ثمالة ) و يعكر على النتيجة السابقة
التي انتهيت إليها في الحد الشمالي لمنازل القبيلة قديما ً .
الثاني : أنه أشار لبعض الأدلة مما يعني أهمية عرضها ومناقشتها في هذه الحلقة , كما سيأتي .
ثانياً : الأدلة على أن ثمالة هي من بنى سد السملقي :
لم يهتم المستعين بالله بسرد أدلته في موضع واحد مرتبة ,
بل نثرها في مجموع مقالاته ومحاوراته .
و أقول ابتداء إن المستعين بالله حرص على استحلاب الجانب العاطفي في القبيلة ,
وطالبهم بأن يكفوا عن ترديد الإشاعات التي تهضم حقوقهم و تاريخهم ,
وحث قراءه على أن ( يغسلوا أيديهم من نتائج الدراسات الحديثة ) ,
واصفاً إياها ( بالأسطورة الثالثة ) ولا أحب أن تسمى نتيجة تم الاستدلال لها بالأسطورة ,
وإلا لأمكن بأن يوصف القول بأن ثمالة هي من بنى السد ( بالأسطورة الرابعة) لكني لا أقول هذا .
وأنا هنا حاولت أن أجمع الأدلة التي استدل بها المستعين بالله على قوله , وهي حسب ما ظهر لي :
1- ماهو الدافع ليبني عمرو بن العاص سداً على وادي جفن ,
هل هو المسؤولية , أم القرابة , ام الواسطة ...؟ وذلك للدلالة على أن الأمويين لم يبنوا السد .
2- أن السد قديم قبل عهد بني أمية بكثير , بدليل آثار الطمي
( اللبون) وبدليل الشق في الجبل ( اللج ) .
3- أن ثمالة بنت السد بفضل الخبرة التي جاءت بها من اليمن , ولم تكن عند غيرهم .
4- دليل الواقع . فثمالة وجدت في هذا الموضع , وهي المستفيدة من السد ,
والخبرة لديها كافية لبنائه , فهم إذا من بنى السد .
هذه هي أهم الأدلة التي أمكن استخراجها من مقالات المستعين بالله .
فإن فاتني دليل فالرجاء إضافته إلى الموضوع .
و سأشرع في مناقشة هذه الأدلة , ثم في ذكر الأدلة لمن قال
إن السد من بناء دولة بني أمية , وليس بني ثمالة .
ثالثاً : مناقشة أدلة من قال إن ثمالة هم من بنى السد :
الدليل الأول :
ما هو الدافع ليبني عمرو بن العاص وبنو أمية السد ؟
في اعتقادي يوجد أكثر من دافع :
1- بنو أمية دولة مسئولة عن جميع بلدانها وأودية الطائف من ضمن هذه المسئولية ،
فما الذي يمنعهم من بناء هذه السدود في الطائف ؟
2- الحلف الذي قام بين دولة بني أمية وثقيف لا يمكن إنكاره و قيام بني أمية
بمكافأة حلفائها وبناء السدود في أوديتها لا يستغرب حينئذٍ .
3- بنو أمية ليس مجرد حلفاء لثقيف بل بعضهم شركاء لهم في المنازل .
و أملاك بني أمية على وادي وج ما زالت باقية حتى الوقت الحاضر (فالوهط)
أحد أهم أملاك عمرو بن العاص رضي الله عنه في الطائف , وفي السير للذهبي
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :" حضرت بدراً مع المشركين ثم حضرت
أحداً فنجوت , ثم قلت : كم أوضع ؟ فلحقت بالوهط " .
وفي السنن أن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه , قال وفي يده الصحيفة
( الصادقة ) التي كتبها عن الرسول صلى الله عليه وسلم :
" إذا سلمت لي هذه , وكتاب الله , و الوهط , فما أبالي ما كانت عليه الدنيا "
وعليه فإن بني أمية يبنون السدود في الطائف لحلفائهم ثقيف و لأنفسهم .
و ثقيف كانوا في جفن كما تقدم , و احتمال وجود قريش وارد .
بدليل أن المعدن إلى جانبه قال عنه الهمداني " يقع بعد وادي جفن ويسكنه قريش وثقيف " .
و احتمال أن يكلف معاوية عمرو بن العاص ببناء هذا السد وارد ,
لمعرفة عمرو بن العاص بالمنطقة , وقد يكون عمرو بن العاص كلف غيره ،
من ذريته الموجودين قريباً من الموقع .
و أنا لا اجزم أن الذي بناه عمرو أو معاوية رضي الله عنهما , لأن هذا بحاجة لدليل
لكني أجيب فقط عن الدافع الذي يمكن أن يبرر بناءه منهما .
الدليل الثاني :
أن السد قديم جداً و أقدم من زمن بني أمية بدليل ارتفاع الطمي والقطع في الجبل .....
و أقول في مناقشة هذا الدليل :
1 – هذا دليل جيد لو ثبت علمياً . لكن من الذي أثبت أن عمر هذا الطمي
أبعد من زمن الأمويين ؟ لابد من إثبات هذه المقدمة .
وهي حتى الساعة لا دليل عليها . فلننتظر حتى يتم إثباتها أو نفيها .
2 – القطع الذي بالجبل ليس بالضرورة من فعل السيول , نعم قد تكون السيول وسعته لاحقاً ,
لكن الذي أتوقعه أن يكون أصل هذا القطع حصل قبل بناء السد ,
ومن الذين بنوه أنفسهم ، لكي يكون متنفساً للسد أثناء البناء ،
لأن بناء السد يحتاج لزمن يطول , وقد تداهم السيول بناء السد قبل تمامه فتفسده .
لذا تم القطع في الجبل لتتصرف منه السيول أثناء البناء .
و بعد بناء السد بنوا هذه الثلمة , وجعلوا تصريف الفائض من جهتها ( المغيض )
و أصبح السد من قسمين :
القسم الرئيس على الوادي وما زال قائما كما هو , و القسم بين الجبلين ( اللج ) .
ومع مرور السنين كان القسم الثاني هو الأضعف فانهدم ,
ولم يبق منه الآن سوى أحجار قليلة في غرب السد ,وهي دليل على أن جزءا من السد كان هناك ،
ولعل السبب في إضعافه وجود المغيض من جهته .
3 – أننا لو سلمنا – جدلاً – أن هذا الطمي قديم , و الثلمة في الجبل قديمة بفعل السيول ...
فإن هذا وحده لا يكفي للقول بأن ثمالة هي من بنى السد . نعم لو ثبت
هذا فهو يفيد أن السد ليس إسلامياً أو أموياً , لكن لا يفيد بمفرده أن ثمالة هي من بنى السد
فلابد من دليل خاص لهذا المسألة . فما هو ؟
الدليل الثالث :
أن ثمالة هي من بنى السد بفضل الخبرة التي لم تكن لدى غيرها ...
قلت :
1 – لو سلمنا أن ثمالة شاركت في بناء السدود في اليمن حتى اكتسبت الخبرة ،
وهو موضوع لا دليل عليه الان , فإن هذه الخبرة لم تكن خاصة بثمالة .
فهذه قبائل الأزد التي هاجرت و استقرت في السراة و في غيرها ,
وبعضها اكبر بكثير من قبيلة ثمالة ,
هل نقلت هذه الخبرة ؟
هل بنت السدود على طول السراة وغيرها ؟
لماذا اختصت ثمالة بنقل هذه الخبرة ؟
ويقال إن في محافظة الطائف أكثر من 70 سداً أثرياً , لا أعرف
واحدا منها في أرض أزدية الآن (سوى السملقي ) و الباقي جميعه في أودية ليست للأزد .
فمن أين جاء هؤلاء العدنانيون بالخبرة ؟
2 – لو سلمنا بأن ثمالة اكتسبت خبرة في السدود : فما الذي يدلنا على أنها استفادت
من هذه الخبرة وبنت السد بالفعل ؟ هل الخبرة وحدها تكفي ؟ فقد تكون اكتسبت خبرة لكن لم تمارسها .
فلابد من دليل خاص يدل على أن ثمالة استفادت من خبرتها وبنت السد بنفسها . فما هو الدليل ؟
الدليل الرابع :
دليل الواقع , فثمالة كانت موجودة في وادي جفن وهي المستفيدة من السد فهم إذاً من بناه .
قلت :
1 – هذا الدليل بني على مقدمة قررها الباحث ثم بنى عليها هذه النتيجة ,
و المقدمة هي أن ثمالة هاجرت من اليمن قبل ثلاثة آلاف عام تقريباً ,
ثم حلت في وادي جفن , وشرعت منذ ذلك الوقت في بناء السد .
و سؤالي هو : كيف ثبت أن ثمالة حلت في وادي جفن ؟
هذه مسألة لم يستدل عليها بدليل واحد سوى الواقع المعاصر .
و أنا أقول : ما الدليل على أن وادي جفن كان لثمالة قبل ثلاثة آلاف عام ؟
إن الواقع الآن لا يمكن أن تثبت به قضية قبل ثلاثة آلاف عام .
أين هم فهم وعدوان الآن ؟ وأين كانوا قبل ألف عام ، وليس ثلاثة آلاف عام ؟
أين كان بنو سعد قبل ألف عام ؟ و أين هم الآن ؟
لمن كانت الأرض التي يسكنها العيلة الآن ؟
أين الوحوش الذين كانوا في جفن قبل مدة قريبة ؟
يوجد على وادي سلامة الآن أكثر من ستة سدود أثرية ,
فهل نستطيع أن نقول إن بني سعد ( الفقهاء ) هم الذين بنوها بدليل الواقع ؟
مع العلم أن الأرض لم تكن لهم قبل ألف عام ، بل كانت لثقيف أو عدوان .
إن الواقع الآن لا يصلح أن يكون دليلاً على قضية قبل ألف عام ،
فكيف يصلح دليلاً لقضية قبل ثلاثة آلاف عام ؟
2 – أنا عثرت على نص عند الهمداني منذ أكثر من ألف عام , يقول
إن جفن لثقيف وعززته بنصوص و أشعار وقراءات مما يجعلني
أطمئن إلى هذه النتيجة ذات الدليل ، ولا أطمئن لمن يقول إن جفن
بكامله لثمالة منذ ثلاثة آلاف عام بلا دليل، سوى الواقع الآن ,
و الواقع يمكن أن يكون مغرراً , ويكفي أن نقول من بنى سدود سلامة ؟
ومن بنى سدود عرضة ؟
3 – لو سلمنا جدلاً بأن هذا الواقع صحيح وأن ثمالة كانت هنا قبل ثلاثة آلاف عام .
فهل يكفي هذا للدلالة على أنهم هم من بنى السد على الوادي ؟
لو قال واحد إن السد كان موجوداً قبل أن تأتي ثمالة
( بناه العماليق مثلاً كما ذكر باسلامة ) أو قال آخر :
إن السد بني لاحقاً على الوادي لمصلحة ثمالة أو غيرهم
( بنته دولة بني أمية مثلاً ....) هل يكفي دليل الواقع للرد عليهم ؟
إن هذا الواقع لو ثبت لا يكفي ، بل لابد من دليل خاص يثبت هذه الدعوى ,
فما هو ؟
الإخوة الكرام ،حيث طال موضوع هذه الحلقة ، وخشية السأم ، رأيت تأجيل عرض أدلة من قال إن ثمالة لم تبن السد للحلقة القادمة .
من بنى سد السملقي ؟
هذا هو أحد الأسئلة التي عرضتها سابقاً , وقلت بأني سأجيب عنها لاحقاً , وعلاقة
هذا السؤال بموضوع هذه الحلقات (الموقع ) واضحة , فإن قلنا إن السد ليس
من بناء قبيلة ثمالة , كانت هذه النتيجة متساوقة مع بقية النصوص التي قرأناها ,
و إن قلنا إن ثمالة هي من بنى السد , فإن هذا يعني أن منازل ثمالة شمالاً أوسع مما حددناه ,
إذ لا يعقل أن تبني قبيلة سداً لتنتفع به قبيلة أخرى , ونحن نعلم أن الجراب
الذي يخرج من السد يظهر في الأصيفر , وقد يستمر إلى أبعد من هذا،
فلابد أن نقول إن هذه المنازل كانت للقبيلة التي بنت السد .
وقبل أن أجيب عن هذا السؤال لابد أن أقدم بمقدمة مهمة في نظري . وهي :
أن القول بأن ثمالة هي من بنى السد قول لا يزعجني ولا يؤلمني , بل يرضي غروري ,
وكم تمنيت أني استطعت أن أصل له ، ولو بأضعف طريق .
أقول هذا حتى لا يظن أني أقلل من أهمية السد و أثره على معنويات القبيلة ...
و أحدثكم بقصة حصلت لي قبل سنين , حيث زارني في الطائف اثنان من أصدقائي ,
فأحببت أن يريا آثار الطائف , فأخذتهما إلى قصر شبرا , حيث وجدنا الناس
متحلقين في بهو القصر حول قطعة كبيرة من عربة لها أربع عجلات ,
وقد كتب عليها : إهداء من سعيد الثمالي .
فنظرا إلي و قالا : ما هذا ؟ قلت : من تظنون أنه اكتشف العجلات في التاريخ ؟
قالوا : الصينيون . قلت : التاريخ تم تزويره , بل ثمالة , وهذا هو الدليل الضارب
في أعماق التاريخ ، فأنبهر الأول أما الثاني فابتسم بخبث , ثم قال :
ماذا كان أجدادك يفعلون بهذه العجلات ؟ قلت : ستعرف . ثم أخذتهم على عجل
حتى سطح سد السملقي , و أوقفتهم على تلك الصخور الضخمة , فقالوا :
من بنى هذا السد العظيم ؟ قلت : ثمالة . فهام الأول على وجهه حتى كاد يسقط من حافة السد .
أما الثاني فقال : وكيف حملوا هذه الصخور ؟ قلت : على تلك العجلات التي رأيتها
في المتحف . فبهت و أسقط في يده , وبقي برهة ينظر إلي دون حراك , ومعه عود من سلم ،
ينقر به فوق صخرة الجارية , و كأنه يقرأ في جبهتي سطوراً لم أكتبها قط .
عندها فقط ، شعرت بأني أكبر من صخرة الجارية , بل أكبر من السد .
ولكن إلى مدة يسيرة، ثم بحت لهما بحقيقة السد و العجلات .
أقول : ما أجمل أن يشعر المرء برضى الآخرين عنه ,
و أجمل منه أن يشعر بالرضى عن نفسه .
قلت هذه القصة وهي خارجة عن الموضوع حتى لا يظن بأني لا أستمتع
إذا ارتفع شأن القبيلة , لكني لا أرضى أن يكون ارتفاع الشأن مجرد دعوى .
لذا قررت أن أفرد هذه الحلقات للتعرف على من بنى سد السملقي . فأقول :
أولاً : الأقوال في تحديد من بنى السد :
لم أعثر على أي نص قديم يحدد من بنى السد , و جميع الأقوال في تحديد
من بناه معاصره، وهي تسير في اتجاهين :
الاتجاه الأول : أن السد إسلامي , وهو في الغالب من بناء الدولة الأموية .
وأغلب الباحثين المعاصرين يسيرون في هذا الاتجاه .
الاتجاه الثاني : أن السد جاهلي ، و السائرون في هذا الاتجاه على ثلاثة أقول :
1 – القول بأنه جاهلي قديم فقط , دون التحديد لمن بناه , ولا لحدود القدم ,
وهذا القول رأيته على الموقع الاكتروني لمصلحة الآثار و السياحة .
2 – القول بأنه جاهلي قديم من بناء العماليق , ورأيته منسوبا لباسلامة .
3 – القول بأنه جاهلي قديم من بناء قبيلة ثمالة ،
و أول من قال هذا – حسب علمي – هو المستعين بالله .
و القول الأول و الثاني في الاتجاه الثاني ليسا يعنياني ,
لأنهما لم يذكرا دليلاً على اتجاههما لنناقشه , ولأنهما لا يتعلقان بموضوعي
( منازل ثمالة قديماً ) حيث لم ينسبا هذا السد لثمالة , بل القول الثاني نسبه لغير ثمالة
( العماليق) و ثمالة ليست من العماليق . أما القول الثالث فهو الذي يعنيني هنا , لأمرين :
الأول : أنه يتعلق بموضوعي ( منازل ثمالة ) و يعكر على النتيجة السابقة
التي انتهيت إليها في الحد الشمالي لمنازل القبيلة قديما ً .
الثاني : أنه أشار لبعض الأدلة مما يعني أهمية عرضها ومناقشتها في هذه الحلقة , كما سيأتي .
ثانياً : الأدلة على أن ثمالة هي من بنى سد السملقي :
لم يهتم المستعين بالله بسرد أدلته في موضع واحد مرتبة ,
بل نثرها في مجموع مقالاته ومحاوراته .
و أقول ابتداء إن المستعين بالله حرص على استحلاب الجانب العاطفي في القبيلة ,
وطالبهم بأن يكفوا عن ترديد الإشاعات التي تهضم حقوقهم و تاريخهم ,
وحث قراءه على أن ( يغسلوا أيديهم من نتائج الدراسات الحديثة ) ,
واصفاً إياها ( بالأسطورة الثالثة ) ولا أحب أن تسمى نتيجة تم الاستدلال لها بالأسطورة ,
وإلا لأمكن بأن يوصف القول بأن ثمالة هي من بنى السد ( بالأسطورة الرابعة) لكني لا أقول هذا .
وأنا هنا حاولت أن أجمع الأدلة التي استدل بها المستعين بالله على قوله , وهي حسب ما ظهر لي :
1- ماهو الدافع ليبني عمرو بن العاص سداً على وادي جفن ,
هل هو المسؤولية , أم القرابة , ام الواسطة ...؟ وذلك للدلالة على أن الأمويين لم يبنوا السد .
2- أن السد قديم قبل عهد بني أمية بكثير , بدليل آثار الطمي
( اللبون) وبدليل الشق في الجبل ( اللج ) .
3- أن ثمالة بنت السد بفضل الخبرة التي جاءت بها من اليمن , ولم تكن عند غيرهم .
4- دليل الواقع . فثمالة وجدت في هذا الموضع , وهي المستفيدة من السد ,
والخبرة لديها كافية لبنائه , فهم إذا من بنى السد .
هذه هي أهم الأدلة التي أمكن استخراجها من مقالات المستعين بالله .
فإن فاتني دليل فالرجاء إضافته إلى الموضوع .
و سأشرع في مناقشة هذه الأدلة , ثم في ذكر الأدلة لمن قال
إن السد من بناء دولة بني أمية , وليس بني ثمالة .
ثالثاً : مناقشة أدلة من قال إن ثمالة هم من بنى السد :
الدليل الأول :
ما هو الدافع ليبني عمرو بن العاص وبنو أمية السد ؟
في اعتقادي يوجد أكثر من دافع :
1- بنو أمية دولة مسئولة عن جميع بلدانها وأودية الطائف من ضمن هذه المسئولية ،
فما الذي يمنعهم من بناء هذه السدود في الطائف ؟
2- الحلف الذي قام بين دولة بني أمية وثقيف لا يمكن إنكاره و قيام بني أمية
بمكافأة حلفائها وبناء السدود في أوديتها لا يستغرب حينئذٍ .
3- بنو أمية ليس مجرد حلفاء لثقيف بل بعضهم شركاء لهم في المنازل .
و أملاك بني أمية على وادي وج ما زالت باقية حتى الوقت الحاضر (فالوهط)
أحد أهم أملاك عمرو بن العاص رضي الله عنه في الطائف , وفي السير للذهبي
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :" حضرت بدراً مع المشركين ثم حضرت
أحداً فنجوت , ثم قلت : كم أوضع ؟ فلحقت بالوهط " .
وفي السنن أن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه , قال وفي يده الصحيفة
( الصادقة ) التي كتبها عن الرسول صلى الله عليه وسلم :
" إذا سلمت لي هذه , وكتاب الله , و الوهط , فما أبالي ما كانت عليه الدنيا "
وعليه فإن بني أمية يبنون السدود في الطائف لحلفائهم ثقيف و لأنفسهم .
و ثقيف كانوا في جفن كما تقدم , و احتمال وجود قريش وارد .
بدليل أن المعدن إلى جانبه قال عنه الهمداني " يقع بعد وادي جفن ويسكنه قريش وثقيف " .
و احتمال أن يكلف معاوية عمرو بن العاص ببناء هذا السد وارد ,
لمعرفة عمرو بن العاص بالمنطقة , وقد يكون عمرو بن العاص كلف غيره ،
من ذريته الموجودين قريباً من الموقع .
و أنا لا اجزم أن الذي بناه عمرو أو معاوية رضي الله عنهما , لأن هذا بحاجة لدليل
لكني أجيب فقط عن الدافع الذي يمكن أن يبرر بناءه منهما .
الدليل الثاني :
أن السد قديم جداً و أقدم من زمن بني أمية بدليل ارتفاع الطمي والقطع في الجبل .....
و أقول في مناقشة هذا الدليل :
1 – هذا دليل جيد لو ثبت علمياً . لكن من الذي أثبت أن عمر هذا الطمي
أبعد من زمن الأمويين ؟ لابد من إثبات هذه المقدمة .
وهي حتى الساعة لا دليل عليها . فلننتظر حتى يتم إثباتها أو نفيها .
2 – القطع الذي بالجبل ليس بالضرورة من فعل السيول , نعم قد تكون السيول وسعته لاحقاً ,
لكن الذي أتوقعه أن يكون أصل هذا القطع حصل قبل بناء السد ,
ومن الذين بنوه أنفسهم ، لكي يكون متنفساً للسد أثناء البناء ،
لأن بناء السد يحتاج لزمن يطول , وقد تداهم السيول بناء السد قبل تمامه فتفسده .
لذا تم القطع في الجبل لتتصرف منه السيول أثناء البناء .
و بعد بناء السد بنوا هذه الثلمة , وجعلوا تصريف الفائض من جهتها ( المغيض )
و أصبح السد من قسمين :
القسم الرئيس على الوادي وما زال قائما كما هو , و القسم بين الجبلين ( اللج ) .
ومع مرور السنين كان القسم الثاني هو الأضعف فانهدم ,
ولم يبق منه الآن سوى أحجار قليلة في غرب السد ,وهي دليل على أن جزءا من السد كان هناك ،
ولعل السبب في إضعافه وجود المغيض من جهته .
3 – أننا لو سلمنا – جدلاً – أن هذا الطمي قديم , و الثلمة في الجبل قديمة بفعل السيول ...
فإن هذا وحده لا يكفي للقول بأن ثمالة هي من بنى السد . نعم لو ثبت
هذا فهو يفيد أن السد ليس إسلامياً أو أموياً , لكن لا يفيد بمفرده أن ثمالة هي من بنى السد
فلابد من دليل خاص لهذا المسألة . فما هو ؟
الدليل الثالث :
أن ثمالة هي من بنى السد بفضل الخبرة التي لم تكن لدى غيرها ...
قلت :
1 – لو سلمنا أن ثمالة شاركت في بناء السدود في اليمن حتى اكتسبت الخبرة ،
وهو موضوع لا دليل عليه الان , فإن هذه الخبرة لم تكن خاصة بثمالة .
فهذه قبائل الأزد التي هاجرت و استقرت في السراة و في غيرها ,
وبعضها اكبر بكثير من قبيلة ثمالة ,
هل نقلت هذه الخبرة ؟
هل بنت السدود على طول السراة وغيرها ؟
لماذا اختصت ثمالة بنقل هذه الخبرة ؟
ويقال إن في محافظة الطائف أكثر من 70 سداً أثرياً , لا أعرف
واحدا منها في أرض أزدية الآن (سوى السملقي ) و الباقي جميعه في أودية ليست للأزد .
فمن أين جاء هؤلاء العدنانيون بالخبرة ؟
2 – لو سلمنا بأن ثمالة اكتسبت خبرة في السدود : فما الذي يدلنا على أنها استفادت
من هذه الخبرة وبنت السد بالفعل ؟ هل الخبرة وحدها تكفي ؟ فقد تكون اكتسبت خبرة لكن لم تمارسها .
فلابد من دليل خاص يدل على أن ثمالة استفادت من خبرتها وبنت السد بنفسها . فما هو الدليل ؟
الدليل الرابع :
دليل الواقع , فثمالة كانت موجودة في وادي جفن وهي المستفيدة من السد فهم إذاً من بناه .
قلت :
1 – هذا الدليل بني على مقدمة قررها الباحث ثم بنى عليها هذه النتيجة ,
و المقدمة هي أن ثمالة هاجرت من اليمن قبل ثلاثة آلاف عام تقريباً ,
ثم حلت في وادي جفن , وشرعت منذ ذلك الوقت في بناء السد .
و سؤالي هو : كيف ثبت أن ثمالة حلت في وادي جفن ؟
هذه مسألة لم يستدل عليها بدليل واحد سوى الواقع المعاصر .
و أنا أقول : ما الدليل على أن وادي جفن كان لثمالة قبل ثلاثة آلاف عام ؟
إن الواقع الآن لا يمكن أن تثبت به قضية قبل ثلاثة آلاف عام .
أين هم فهم وعدوان الآن ؟ وأين كانوا قبل ألف عام ، وليس ثلاثة آلاف عام ؟
أين كان بنو سعد قبل ألف عام ؟ و أين هم الآن ؟
لمن كانت الأرض التي يسكنها العيلة الآن ؟
أين الوحوش الذين كانوا في جفن قبل مدة قريبة ؟
يوجد على وادي سلامة الآن أكثر من ستة سدود أثرية ,
فهل نستطيع أن نقول إن بني سعد ( الفقهاء ) هم الذين بنوها بدليل الواقع ؟
مع العلم أن الأرض لم تكن لهم قبل ألف عام ، بل كانت لثقيف أو عدوان .
إن الواقع الآن لا يصلح أن يكون دليلاً على قضية قبل ألف عام ،
فكيف يصلح دليلاً لقضية قبل ثلاثة آلاف عام ؟
2 – أنا عثرت على نص عند الهمداني منذ أكثر من ألف عام , يقول
إن جفن لثقيف وعززته بنصوص و أشعار وقراءات مما يجعلني
أطمئن إلى هذه النتيجة ذات الدليل ، ولا أطمئن لمن يقول إن جفن
بكامله لثمالة منذ ثلاثة آلاف عام بلا دليل، سوى الواقع الآن ,
و الواقع يمكن أن يكون مغرراً , ويكفي أن نقول من بنى سدود سلامة ؟
ومن بنى سدود عرضة ؟
3 – لو سلمنا جدلاً بأن هذا الواقع صحيح وأن ثمالة كانت هنا قبل ثلاثة آلاف عام .
فهل يكفي هذا للدلالة على أنهم هم من بنى السد على الوادي ؟
لو قال واحد إن السد كان موجوداً قبل أن تأتي ثمالة
( بناه العماليق مثلاً كما ذكر باسلامة ) أو قال آخر :
إن السد بني لاحقاً على الوادي لمصلحة ثمالة أو غيرهم
( بنته دولة بني أمية مثلاً ....) هل يكفي دليل الواقع للرد عليهم ؟
إن هذا الواقع لو ثبت لا يكفي ، بل لابد من دليل خاص يثبت هذه الدعوى ,
فما هو ؟
الإخوة الكرام ،حيث طال موضوع هذه الحلقة ، وخشية السأم ، رأيت تأجيل عرض أدلة من قال إن ثمالة لم تبن السد للحلقة القادمة .