حامل المسك
10-01-2009, 05:37 PM
شيخ الإسلام ابن تيمية وحادثة الشيخ الشثري!
سليمان بن صالح الخراشي
لجينيات
ما أرانا نقول إلا مُـعــارًا
أومُعادًا من لفظنا مكرورًا
من تأمل التاريخ ، وتفهم حقيقة المراغمة بين الحق والباطل ، وجد أن الأحداث والقضايا والنزعَات تكاد تكون واحدة ، وإنما الاختلاف في الأشخاص الذين يمرون كالطيف في هذه الحياة ، ثم يرحلون ؛ ليجدوا ما قدموا أمامهم ..( إنا نحن نكتب ماقدموا وآثارهم ، وكل شيئ أحصيناه في إمام مبين ) ..
ولكل قومٍ وارث ..
فياسعادة من ورث أهل الإيمان والعمل الصالح والإصلاح ..
وياخسارة من ورث أهل النفاق والإفساد " وإن سمي كذبًا بالإصلاح " .
وحادثة الشيخ الفاضل سعد الشثري – وفقه الله – في قيامه بواجب إنكار الاختلاط المحرم ، وما عقبها من هجمة منظمة عليه ، بدأها خاشقجي جريدة الوطن ، هي حادثة تتكرر ملامحها في كل عصر وآن ، مع اختلاف الشخوص – كما سبق - .
وقد رأيت أن أنقل كلامًا مختصرًا لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – من كتابه " الاستقامة " ( 2 / 255 – 261 ) ، وهو الخبير بمثل هذه المراغمات بين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر وخصومهم ، كأنه يصف حادثة الشيخ الشثري مع خصومه ..
قال – رحمه الله – ناصحًا ولاة الأمور ومن له قدرة على ابتداء السنن المتبوعة :
( إن الناس كأسراب القَطا ، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض ، ولهذا كان المبتدئ بالخير وبالشر ، له مثل من تبعه من الأجر والوزر ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا " ، وذلك لاشتراكهم في الحقيقة ، وأن حكم الشيء حكم نظيره ، وشبيه الشيء منجذب إليه .
فإذا كان هذان داعيين قويين فكيف إذا انضم إليهما داعيان آخران ؟ ) ..
ثم قال عمن ضج من كلام الشيخ الشثري ، رغم ثناء الشيخ على ولاة الأمر وعلى الجامعة ، بسبب أنه جهر بإنكار منكر " الاختلاط المحرم " الذي يدعون إليه ، ولم يطاوعهم فيه ، أو حتى يسكت عنه :
( إن كثيرًا من أهل المنكر يُحبون من يوافقهم على ما هم فيه ، ويُبغضون من لا يوافقهم ، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة ، من موالاة كل قوم لموافقيهم ومعاداتهم لمخالفيهم ، وكذلك في أمور الدنيا والشهوات ، كثيرًا ما يختار أهلها ويؤثرون من يشاركهم في أمورهم وشهواتهم ، إما للمعاونة على ذلك ، كما في المتغلبين من أهل الرياسات وقطاع الطريق ونحو ذلك ، وإما لتلذذهم بالموافقة ، كما في المجتمعين على شرب الخمر مثلا ، فإنهم يحبون أن يشرب كل من حضر عندهم ، وإما لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير ، إما حسدا له على ذلك ، وإما لئلا يعلو عليهم بذلك ويُحمد دونهم ، وإما لئلا يكون له عليهم حجة ، وإما لخوفهم من معاقبته لهم بنفسه أو بمن يرفع ذلك إليهم ، ولئلا يكونوا تحت منته وحظره ، ونحو ذلك من الأسباب .
قال الله تعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) ، وقال تعالى في المنافقين : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) ، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : " ودت الزانية لو زنى النساء كلهن " ) .
ثم قال عن مآل من يطاوع هؤلاء الفاسدين المفسدين على أهوائهم ، ويشاركهم فيها ، أو يهون منها ، ولا يُكلف نفسه عناء الإنكار عليهم !
( ثم إن هؤلاء الذين يختارون مشاركة الغير لهم في قبيح فعلهم ، أو يأمرونه بذلك ويستعينون به على ما يريدونه ، متى شاركهم وعاونهم وأطاعهم : انتقصوه واستخفوا به ، وجعلوا ذلك حجة عليه في أمور أخرى ، وان لم يشاركهم عادَوه وآذوه ، وهذه حال غالب الظالمين القادرين )
ثم قال موصيًا الشيخ الشثري ومن يسير على طريق الاحتساب :
( ولهذا يؤمر المؤمنون أن يقابلوا السيئات بضدها من الحسنات ، كما يقابل الطبيب المرض بضده ، فيؤمر المؤمن بأن يُصلح نفسه ، وذلك بشيئين : بفعل الحسنات ، وبترك السيئات .
ويؤمر أيضًا بإصلاح غيره .. بحسب قدرته وإمكانه ، قال تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ، وروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : " لو فكر الناس كلهم في سورة العصر لكفتهم " ، وهو كما قال ؛ فإن الله تعالى أخبر فيها أن جميع الناس خاسرون إلا من كان في نفسه مؤمنًا صالحًا ، ومع غيره موصيًا بالحق موصيًا بالصبر.
وإذا عظمت المحنة ؛ كان ذلك للمؤمن الصالح سببًا لعلو الدرجة وعظيم الأجر ؛ كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم : " أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل ، يُبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقة خفف عنه ، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة " ، وحينئذ فيحتاج من الصبر إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، وذلك هو سببالإمامة في الدين ؛ كما قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) ، فلا بد من الصبر على فعل الحسن المأمور وترك السيء المحظور ، ويدخل في ذلك الصبر على الأذى وعلى ما يقال ، والصبر على ما يصيبه من المكاره ، والصبر عن البطر عند النعم ، وغير ذلك من أنواع الصبر.
ولا يمكن العبد أن يصبر إن لم يكن له ما يطمئن له ، ويتنعم به ، ويغتذي به ، وهو اليقين ؛ كما في الحديث الذي رواه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا أيها الناس سلوا الله اليقين والعافية ، فانه لم يُعط أحد بعد اليقين خيرًا من العافية ، فسلوهما الله " ) .
نسأل الله العافية ، وأن يوفق ولاة الأمور للأخذ على أيدي المفسدين ، وأن يُخيب ظنهم ، وأن تكون جامعة الملك عبدالله منارة علم نافع ، بعيد عن أي مخالفة ، وما ذلك على الله بعزيز ..
وأهيب بالإخوة الفضلاء أن يقوم كلٌ منهم بدوره في النصح والاحتساب ، بالطرق الشرعية ، وبحسب الجهد ؛ ليُكتب اسمهم في سجل المصلحين ، قبل أن تُقبض الروح ، وتُطوى الصحف .. والله الموفق .
http://www.lojainiat.com/index.php?action=showMaqal&id=9727
سليمان بن صالح الخراشي
لجينيات
ما أرانا نقول إلا مُـعــارًا
أومُعادًا من لفظنا مكرورًا
من تأمل التاريخ ، وتفهم حقيقة المراغمة بين الحق والباطل ، وجد أن الأحداث والقضايا والنزعَات تكاد تكون واحدة ، وإنما الاختلاف في الأشخاص الذين يمرون كالطيف في هذه الحياة ، ثم يرحلون ؛ ليجدوا ما قدموا أمامهم ..( إنا نحن نكتب ماقدموا وآثارهم ، وكل شيئ أحصيناه في إمام مبين ) ..
ولكل قومٍ وارث ..
فياسعادة من ورث أهل الإيمان والعمل الصالح والإصلاح ..
وياخسارة من ورث أهل النفاق والإفساد " وإن سمي كذبًا بالإصلاح " .
وحادثة الشيخ الفاضل سعد الشثري – وفقه الله – في قيامه بواجب إنكار الاختلاط المحرم ، وما عقبها من هجمة منظمة عليه ، بدأها خاشقجي جريدة الوطن ، هي حادثة تتكرر ملامحها في كل عصر وآن ، مع اختلاف الشخوص – كما سبق - .
وقد رأيت أن أنقل كلامًا مختصرًا لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – من كتابه " الاستقامة " ( 2 / 255 – 261 ) ، وهو الخبير بمثل هذه المراغمات بين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر وخصومهم ، كأنه يصف حادثة الشيخ الشثري مع خصومه ..
قال – رحمه الله – ناصحًا ولاة الأمور ومن له قدرة على ابتداء السنن المتبوعة :
( إن الناس كأسراب القَطا ، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض ، ولهذا كان المبتدئ بالخير وبالشر ، له مثل من تبعه من الأجر والوزر ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا " ، وذلك لاشتراكهم في الحقيقة ، وأن حكم الشيء حكم نظيره ، وشبيه الشيء منجذب إليه .
فإذا كان هذان داعيين قويين فكيف إذا انضم إليهما داعيان آخران ؟ ) ..
ثم قال عمن ضج من كلام الشيخ الشثري ، رغم ثناء الشيخ على ولاة الأمر وعلى الجامعة ، بسبب أنه جهر بإنكار منكر " الاختلاط المحرم " الذي يدعون إليه ، ولم يطاوعهم فيه ، أو حتى يسكت عنه :
( إن كثيرًا من أهل المنكر يُحبون من يوافقهم على ما هم فيه ، ويُبغضون من لا يوافقهم ، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة ، من موالاة كل قوم لموافقيهم ومعاداتهم لمخالفيهم ، وكذلك في أمور الدنيا والشهوات ، كثيرًا ما يختار أهلها ويؤثرون من يشاركهم في أمورهم وشهواتهم ، إما للمعاونة على ذلك ، كما في المتغلبين من أهل الرياسات وقطاع الطريق ونحو ذلك ، وإما لتلذذهم بالموافقة ، كما في المجتمعين على شرب الخمر مثلا ، فإنهم يحبون أن يشرب كل من حضر عندهم ، وإما لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير ، إما حسدا له على ذلك ، وإما لئلا يعلو عليهم بذلك ويُحمد دونهم ، وإما لئلا يكون له عليهم حجة ، وإما لخوفهم من معاقبته لهم بنفسه أو بمن يرفع ذلك إليهم ، ولئلا يكونوا تحت منته وحظره ، ونحو ذلك من الأسباب .
قال الله تعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) ، وقال تعالى في المنافقين : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) ، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : " ودت الزانية لو زنى النساء كلهن " ) .
ثم قال عن مآل من يطاوع هؤلاء الفاسدين المفسدين على أهوائهم ، ويشاركهم فيها ، أو يهون منها ، ولا يُكلف نفسه عناء الإنكار عليهم !
( ثم إن هؤلاء الذين يختارون مشاركة الغير لهم في قبيح فعلهم ، أو يأمرونه بذلك ويستعينون به على ما يريدونه ، متى شاركهم وعاونهم وأطاعهم : انتقصوه واستخفوا به ، وجعلوا ذلك حجة عليه في أمور أخرى ، وان لم يشاركهم عادَوه وآذوه ، وهذه حال غالب الظالمين القادرين )
ثم قال موصيًا الشيخ الشثري ومن يسير على طريق الاحتساب :
( ولهذا يؤمر المؤمنون أن يقابلوا السيئات بضدها من الحسنات ، كما يقابل الطبيب المرض بضده ، فيؤمر المؤمن بأن يُصلح نفسه ، وذلك بشيئين : بفعل الحسنات ، وبترك السيئات .
ويؤمر أيضًا بإصلاح غيره .. بحسب قدرته وإمكانه ، قال تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ، وروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : " لو فكر الناس كلهم في سورة العصر لكفتهم " ، وهو كما قال ؛ فإن الله تعالى أخبر فيها أن جميع الناس خاسرون إلا من كان في نفسه مؤمنًا صالحًا ، ومع غيره موصيًا بالحق موصيًا بالصبر.
وإذا عظمت المحنة ؛ كان ذلك للمؤمن الصالح سببًا لعلو الدرجة وعظيم الأجر ؛ كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم : " أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل ، يُبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقة خفف عنه ، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة " ، وحينئذ فيحتاج من الصبر إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، وذلك هو سببالإمامة في الدين ؛ كما قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) ، فلا بد من الصبر على فعل الحسن المأمور وترك السيء المحظور ، ويدخل في ذلك الصبر على الأذى وعلى ما يقال ، والصبر على ما يصيبه من المكاره ، والصبر عن البطر عند النعم ، وغير ذلك من أنواع الصبر.
ولا يمكن العبد أن يصبر إن لم يكن له ما يطمئن له ، ويتنعم به ، ويغتذي به ، وهو اليقين ؛ كما في الحديث الذي رواه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا أيها الناس سلوا الله اليقين والعافية ، فانه لم يُعط أحد بعد اليقين خيرًا من العافية ، فسلوهما الله " ) .
نسأل الله العافية ، وأن يوفق ولاة الأمور للأخذ على أيدي المفسدين ، وأن يُخيب ظنهم ، وأن تكون جامعة الملك عبدالله منارة علم نافع ، بعيد عن أي مخالفة ، وما ذلك على الله بعزيز ..
وأهيب بالإخوة الفضلاء أن يقوم كلٌ منهم بدوره في النصح والاحتساب ، بالطرق الشرعية ، وبحسب الجهد ؛ ليُكتب اسمهم في سجل المصلحين ، قبل أن تُقبض الروح ، وتُطوى الصحف .. والله الموفق .
http://www.lojainiat.com/index.php?action=showMaqal&id=9727