مأخذ على أحداث الرهن العقاري الإسكاني
م. عبد المنعم بن محمد نيازي مراد - 28/01/1429هـ
ammorad@ewaa.com.sa
ما قضايا الرهن العقاري الدارجة في السوق العالمي؟ وما أصل المشكلة المتعلقة الخاصة بالرهن العقاري والسوق الاقتصادي؟ وماذا لو طبق الرهن العقاري هل نحن متجهون إلى المشكلات نفسها؟ أن المشكلات المتعلقة بأسواق الائتمان الأمريكية تواجه تزايداً في تكلفة مخاطر الائتمان، ما يجعل المقرضين يطلبون عوائد أعلى من العوائد السائدة، ويؤدي إلى تقييد هذا السوق. إذا لماذا يؤثر ذلك في أسواق الأسهم الأمريكية والعالمية على حد سواء؟ ولماذا لا يقتصر تأثيره في الأسواق الأمريكية؟
وللتوضيح وجب الرجوع إلى أصول المشكلة وهي مشكلة سوق الرهونات العقارية في الولايات المتحدة والتي شهدت منذ منتصف عام 2006 تراجعاً في عمليات التحصيل وتزايداً في عمليات الإفلاس. والسبب في ذلك هو أن فترة الانتعاش التي شهدها الاقتصاد الأمريكي منذ عام 2002 أدت إلى توسع شركات الرهونات العقارية Mortgage Companies وإلى التوسع في عمليات الإقراض وإلى تخفيف شروطه بحيث سمحت للكثير من أصحاب السجل الائتماني المتردّي بالحصول على قروض لشراء منازل، وأكرر أصحاب السجل الائتماني المتردّي. هذه القروض كانت مغرية لشركات الإقراض وقد صممت بطريقة ذكية، حيث تسمح للمقترض بدفع دفعات منخفضة القيمة في بداية القرض وترتفع قيمة هذه الدفعات بشكل مفاجئ بعد (أقل أو أكثر) من ثلاث سنوات من الحصول على القرض، وأكرر صممت بطريقة ذكية. إضافة إلى ذلك تتميز هذه القروض بأنها ذات فائدة متغيرة بحيث تتغير أسعار الفائدة تبعاً لأسعار الفائدة السائدة في السوق. وخلال السنوات الثلاث الماضية قام الاحتياطي الفيدرالي بزيادات متتابعة لأسعار الفائدة لتبلغ معدل 5.25 في المائة وهذه الزيادات توافقت مع فترة ارتفاع قيمة المبلغ الشهري المسدد من قبل المقترض لشركة الرهن العقاري، أي أن المقترض لم يفاجأ فقط بارتفاع قيمة القرض بعد فترة السماح ولكنه فوجئ بزيادة سعر الفائدة على هذا القرض الأمر الذي أدى إلى مضاعفة قيمة القرض، في أحد القراءات أشير إلى أن بعض الأشخاص الذين كانوا يدفعون 700 إلى 1000 دولار بشكل شهري لسداد قيمة القرض فوجئوا بأن القيمة ارتفعت إلى قرابة 1400 إلى 2000 دولار وبحكم أن هذه الفئة هي من الفئة المتوسطة إلى المنخفضة الدخل فقد أعلن الكثير من هؤلاء عدم قدرتهم على السداد، ما استدعى شركات الرهن العقاري إلى عرض منازلهم للبيع لتحصيل قيمة القرض الأمر الذي أدى إلى خسائر كبيرة لهذه الشركات. هذا أحد الجوانب المتعلقة بارتفاع تكلفة سوق الائتمان، أما الأمر الآخر فهو المتعلق بشركات الملكية الخاصة Private Equity Firms. فعلى الرغم من مشكلات قطاع الرهن العقاري إلا أن أسواق الأسهم الأمريكية قد شهدت ارتفاعات قياسية منذ بداية العام الحالي والسبب الرئيسي وراء ذلك هو عمليات الاستحواذ والسيطرة التي قامت بها بعض الشركات والبنوك الاستثمارية لتحويل بعض الشركات التي تمثل فرصاً استثمارية جيدة إلى شركات ملكية خاصة تتمكن هذه البنوك من تطويرها وتحسين أدائها بطريقة لا يقيدها في الجمعية العمومية للشركة وطرحها للملكية العامة في وقت لاحق. هذه العمليات مولت بشكل كبير عن طريق إصدار سندات أي بطريقة تحصيل القروض، وفي الوقت نفسه عمدت بعض البنوك الاستثمارية وصناديق التحوط إلى إصدار سندات لتمويل عمليات شراء استثمارات في شركات الرهون العقارية في مقامرة جريئة على تحسن الوضع في هذا القطاع... لكن الأمر ازداد سوءاً في سوق الرهونات العقارية مما أدى إلى ازدياد المخاطر المتعلقة بالسندات التي مولت هذه العمليات من ثم انتقلت هذه المخاطر إلى السندات التي مولت عمليات الملكية الخاصة، ما أدى إلى تراجعها بشكل كبير الأمر الذي زاد من التوقعات بشأن تراجع المؤشرات، ما تسبب في عمليات بيع كبيرة لجني الأرباح المحققة خلال الفترة الأخيرة. عامل آخر أسهم في تعميق هذه المشكلة هو عمليات الكاري تريد Carry Trade وهي عبارة عن الإقراض بعملة رخيصة كالين والفرنك الفرنسي لتمويل عمليات شراء لأصول أمريكية. هذه العملية تعتبر مربحة فقط بسبب تفاوت سعر الفائدة بين العملتين وعند توقع أي تقلص لهذه الفجوة كرفع سعر الفائدة على الين يسارع المستثمرون إلى تصفية مراكزهم المالية ببيع الأصول الأمريكية وسداد القروض بالين، ما يعمق من مشكلة الانخفاض ويجعلها تنتقل إلى الأسواق العالمية الأخرى. أضف إلى ذلك القلق بشأن تأثير التراجع في الاقتصاد الأمريكي على أداء الاقتصادات العالمية الأخرى بسبب الارتباط التجاري الوثيق بينها.
والخلاصة أن المحاولة الأمريكية في دعم السوق بتقليل الفائدة سوف تظهر نتائجها قريباً، وهي نتائج إيجابية على الصناعة النفطية والصناعة العقارية لاعتماد القطاعين على بعضهما. وكذلك خلاصة أخرى يمكن أن نستخلصها من هذه الأحداث العالمية هي وجوب فرض المزيد من القيود على أسواق الائتمان العقاري في المملكة حتى لا نفاجأ بالوقوع في هذه المشكلة برفع شروط الائتمان. وبشارة للعالم ولجميع الدول بأن الفقه الإسلامي الذي أوضح الأساليب الإسلامية في التعاملات البنكية بريادة الدول الإسلامية مثل ماليزيا والسعودية يؤكد الاتجاه الصحيح نحو الرهن العقاري الإسلامي. ولكن هذا على الرغم من أن سوق الائتمان العقاري في المملكة يعتمد على عملية التمويل المطابقة للشريعة الإسلامية والتي حسب مفهومنا لمنتجات التمويل العقاري المتداول بها حاليا لا تطبق فيها الفائدة المتغيرة، ما يدعم بقوة الوضع الائتماني سواء للمقرض أو المقترض