السلام عليكم جميعا
هذا أنا أعود من الرحلة العلمية للسؤال عن أم حوة .
وبعد عودتي قرأت المناقشات التي دارت بعدي حول الموضوع ، ووجدت المسألة شبه محسومة بجهود مباركة من المقداد الأكبر والأصغر . لكن هذا لا يمنع من تسجيل المعلومات التي حصلت عليها وهي تتوافق تقريبا مع معلومات المقدادين .
وأنا الآن أسرد لكم أحداث هذه الرحلة :
بعد سفر شاق وطويل وصلت إلى منزل الشيخ . استأذنت ودخلت عليه . فإذا شيخ كبير ناهز المائة جالسا في آخر المجلس ، قربت منه وسلمت. فأشار بشون معه إلى مجلس أمامه ، فجلست .
قال : مرحبا يا تهامي . مر وقت طويل ما شاهدناك !! أنت لا تأتي إلا في أمور مهمة .
قلت : نعم . ومهمة جدا .
صمت قليلا ثم قال : هاتوا القهوة والتمر .
ساد بيننا صمت حتى جاءت القهوة والتمر .
نهضت لأصب القهوة ، فرفع الشون وقال :
اجلس يا تهامي . نحن لا نستخدم ضيوفنا .
قلت : أنا لست ضيفا ، أنا طالب علم ، وأنت استاذي .
ابتسم ، وقال : حكمة من تهامي !!
ثم ساد صمت طويل أثناء شرب القهوة ، لا اسمع خلاله سوى طقطقة الفناجيل ، وشيئا من الرشف ، وأرى عجم النوى يتساقط من فم الشيخ .
شرب الشيخ ثلاثة فناجيل ، ثم وضع طرف الفنجال الفارغ بين اصبعيه السبابة والوسطى ، ثم ساقه نحوي . وقال : كرمت . وهات العلوم .
قلت : منقاش .
قال : إيش ؟
قلت : منقاش .
رفع الشون وقال : من هو منقاش ؟
قلت : هو العرعرة .
ارتفعت الشون أكثر ، وقال : من هو العرعرة ؟
قلت - وقد دخلني الخوف - هو الاصطوانة .
فرفع الشون حتى وصلت فوق رأسي ، وقال :
عودنا في خيطي ميطي !!!
شعرت بخوف حقيقي ، فقلت : هو خيطي ميطي .
فابتسم وعلم أني دهشت ، فأعاد الشون إلى جانبه ، وقال :
ماذا يريد خيطي ميطي ؟
قلت يسأل عن أم حوة .
قال : إييييييييييه .
وقضب لحيته ، التي تحول شعرها الأبيض إلى اللون الأشهب ، وكأنها شعر الذئب . ثم كف جزءا من لحيته ووضعه في فمه . ثم قال :
ذكرتني بأيام قديمة . لي مع أم حوى قصة قديمة لها قرابة تسعين عاما ...
ثم ساق القصة على النحو الذي سبق لي إخباركم به ، إلا أنه لم يذكر أنه قتلها .
قلت : هل قتلتها ؟
قال : لا . حمدت الله على السلامة وتركتها مغشيا عليها .
ورأيت هذه فرصة لأستفز السروي . قلت :
بل كنت خائفا !!
رفع الشون وقال : كنت صغيرا ، وكان في غنمي تيسا كبيرا كنت أركب عليه أحيانا حتى أصل البيت . ( لا أدري هل هذا دليل على صغره أم على كبر التيس ؟)
قلت : ما لونها ؟
قال : حمراء .
قلت : أو برتقالية ؟
ارتفعت الشون ... لكني سارعت وقلت : البرتقالي مثل الأحمر . فارتخت الشون .
قلت : كم المسافة ؟
قال : طارت من هضبة فيها ردف كبار أعلى الجبل وبعيدة جدا . لكن الردف بارزة على الوادي ، والجبل حاد في نزوله .
قلت : مائة متر ؟
قال : أكثر بكثير .
قلت : مائتين ؟
رفع الشون ، وقال : أقول بعيدة جدا وتقول لي .. وأراد أن يهوي بالشون ، فابتسمت وعيني على الشون ، وقلت :
خيطي ميطي !!!
فابتسم ,واعاد الشون إلى جانبه ، وقال :
تهامي ورب الكعبة !!
قلت : كم حجمها ؟
قال : أكبر من الحية ، وأصغر من الثعبان .
قلت كم طولها ؟
فرفع الشون فجأة ، وأشار بها نحوي ، وقال : شفت هذي الشون ؟
قلت : نعم . قال : أم حوة طولها . وأعاد الشون إلى جانبه ، وتنفست الصعداء .
ونظرت إلى الشون فإذا هو تزيد عن المتر قليلا .
ثم التفت إلى مخدة في طرف الحجرة ، فأشار إليها فأحضرتها ووضعتها بجانبه ، فتمدد وتوسد المخدة ، وعندها شعرت بأن الدرس انتهى ، وأن المشقة في بذل العلم ليست أقل من المشقة في طلبه .