4- قضية ((اللفظ والمعنى))

[السنافية]

4- قضية ((اللفظ والمعنى)) 4- قضية ((اللفظ والمعنى)) 4- قضية ((اللفظ والمعنى)) 4- قضية ((اللفظ والمعنى)) 4- قضية ((اللفظ والمعنى))

بسم الله الرحمن الرحيم

قضية جديدة بين أيديكم .. تدرس خلافات امتدت عبر قرون حول أهمية اللفظ والمعنى وأسبقية أحدهما بالأهمية دون الآخر.

كلنا يعلم أن الشاعر لايستطيع بناء قصيدة إلا وقد حدد ألفاظها ومعانيها ويبقى السؤال هل هنا حدد المعنى قبل اللفظ أم اللفظ كان أهم من المعنى وعلى أساسه يأتي المعنى .؟؟

هنا كان محور الإختلاف بين النقاد القدماء والمحدثين فقد يعزوا البعض قيمة النص وجماليته إلى اللفظ دون المعنى وقد يذهب آخرون لجمالية المعنى هو الأهم دون اللفظ وهو يسبق اللفظ كذلك وآخرون يرون اتحاد اللفظ مع المعنى هو مايشكل لنا جمالية النص ..


يقول ابن رشيق القيرواني في ذلك متأثرا برأي ابن طباطبا:

((اللفظ جسم وروحه المعنى وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم : يضعف بضعفه ويقوى بقوته فإذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصا للشعر.. وكذلك إن ضعف المعنى واختل بعضه كان للفظ من ذلك أوفر حظ ..فإن اختل المعنى كله وفسد بقي اللفظ مواتا لافائدة فيه وكذلك إن اختل اللفظ وتلاشى لم يصح له معنى..))


من خلال رأي ابن رشيق نرى أن اللفظ والمعنى متحدان برأيه لافضل لأحدهما عن الآخر ..

وإن رأى أن هناك آراء ذهبت مذاهب أخرى..

1- منهم من يؤثر اللفظ على المعنى فيجعله غايته فهم قوم يذهبون إلى فخامة الكلام وجزالته كقول بشار:

إذا ماغضبنا غضبة مضرية ***** هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما


فهنا جلبة وقعقعة بلا معنى طائل.

وقد ذهب إلى هذا المذهب الجاحظ حين قال : ((المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والقروي ، والبدوي والقروي ، إنما الشأن في إقامة الوزن ، و تخير اللفظ ، وسهولة المخرج ، وفي صحة الطبع وجودة السبك))

فيرى أن سلامة اللفظ وحسن صياغته بحسن نصاعته وتشابه أطرافه وحسن رصفه وتأليفه هو قمة جمال العبارة لأن المعاني بنظره ليست محل للإبداع فهي معاني سابقة لاإبتكار فيها ..

وهو ماذهب له الآمدي كذلك في تفضيل اللفظ على المعنى في كتابه الموازنة.


2-منهم من يؤثر المعنى على اللفظ ويجعل الفضل له في جمالية النص:

وقد ذهب إلى هذا المذهب المرزوقي في شرح ديوان الحماسة...

يقول((وجب أن يكون الفضل في أكثر الأحوال في المعنى وأن يبلغ الشاعر في تلطيفه والأخذ من حواشيه حتى يتسع اللفظ له ..))

وهو ماقصد به إخراج المعنى على قياس اللفظ الجاري على اوزان مقدرة وحدود مقسمة وقواف مهيأة

3-من يرى بضرورة الجمع بين اللفظ والمعنى كمقياس وميزان للقيمة الفنية فيسمو الشعر بسموهما وينخفض بانخفاضهما:

ومن أبرز من ذهب إلى ذلك ابن قتيبه بقسمته الشعر إلى أربعة أقسام في كتابه الشعر والشعراء:

أ‌- ضرب حسن لفظه وجاد معناه
ب‌- ضرب حسن لفظه ولافائدة في معناه
ت‌- ضرب جاد معناه وقصرت ألفاظه
ث‌- ضرب تأخر معناه وتأخر لفظه.



وهنا نرى أن اللفظ والمعنى سواء في تعرضهما للقبح والجودة وذهب إلى ذلك أيضا قدامة بن جعفر في نقد الشعر.


4- من ذهب إلى أن النظم هو أساس جمالية النص وقد ذهب إليه عبد القاهر الجرجاني
في كتابيه « دلائل الإعجاز » و « أسرار البلاغة »

واعتبرهما بما لهما من مميزات وخصائص واسطة تكشف عن الصورة ، فقال بالنظم تارة ، وبالتأليف تارة أخرى

فالنظم عند عبدالقاهر هو : « ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه على النحو ، وتعمل على قوانينه وأصوله ، وتعرف منهاجه التي نهجت فلا تزيغ عنها ، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء »

وأن النظر إلى هذه المقومات اللفظية بأقسامها وأنواعها لا يعود لألفاظها فحسب ، وإنما للمعاني وما تضفيه على الألفاظ مما يكون حسن النظام وجوده التأليف ، وهو العلاقة المترتبة على فهم القسيمين.



وعلى هذا فإن رأي عبدالقاهر ليس كما فهمه البعض بأنه تفضيل للمعنى على اللفظ بل هو مذهب يأخذ بأن اللفظ خدم المعاني من ناحية تركيبها واختيار مواقعها بعد المعنى كما ندد بالإغراق في البديع ومحسناته يجعل اللفظ فارغاً .



أخيرا:

يتضح لنا مما سبق أن الخلاف بين أنصار اللفظ والمعنى ليس إلا خلافا ظاهريا طالما أنهم يقرون بأسبقية المعنى ووجوده قبل اللفظ وقد انفرد بذلك الإكتشاف عبدالقاهر الجرجاني..



للإستفادة والمزيد:

1-شكل القصيدة العربية في النقد العربي ....جودت فخر الدين

2-كتاب العمدة ......ابن رشيق

3-الشعر والشعراء .....ابن قتيبة

4-كتاب نظرية النقد العربي .... محمد حسن الصغير