الملف الصحفي للتربية والتعليم ليوم الثلاثاء 20/3

[صقر قريش]

الاقتصادية:الثلاثاء20-3-1430 هـ العدد: 5636
هل تتحقق الأهداف التربوية بهذه الممارسات؟!
د. عبدالرحمن الطريري
في أكثر من مرة, وعلى صفحات الجرائد أقرأ, ويقرأ غيري إعلانات لتحاضير لجميع مراحل التعليم العام وما قبل التعليم العام, وحتى تكون الصورة واضحة لدى القارئ سأعرض بعضاً من هذه الإعلانات وكما قرأتها عدا أسماء أصحابها أو ما يدل عليهم، رغم أنها واردة في الإعلانات, يقول الإعلان الأول تحاضير... لعام 1430هـ ومع كل تحضير تحصل مجاناً على ملخص, وحل تدريبات, وأوراق عمل, وعروض بوربوينت, وكتاب إلكتروني لكل درس بشكل جديد, ومحتوى جديد حسب توزيع المنهج عام 1430هـ تعليم عام, تحفيظ كبيرات, ورياض أطفال, التوصيل للمنازل مجاناً. أما الإعلان الثاني فيقول تحضير التربية الفنية, تحضير للمعلمات كامل الكتاب عرضي أو طولي سي دي وطباعة ملونه لمنهج هذا العام 1430هـ، التوصيل للمنازل مجاناً. أما الإعلان الثالث فيقول للمعلمين والمعلمات تحاضير, جميع المواد, جميع مرفقات التحضير مطبوعة ملونه في ملف خاص والـ CD مجاناً. وجميع هذه الإعلانات قد وضع أرقام تليفونات الجوال لأصحابها. استرعت هذه الإعلانات انتباهي عندما قرأتها لأول مرة، لكني بدأت أبحث عن مبررات، حيث قلت إنها ربما وردت عن طريق الخطأ, ونشرتها الجريدة, لكن بحكم أن المساحة, والصفحة التي وردت فيها هذه الإعلانات خصصت للإعلانات فهذا يعني أنها لم ترد عن طريق الخطأ, ثم قلت في نفسي إنه قد يكون هناك إذن وموافقة من الجهات المعنية بالتربية والتعليم، لكني استبعدت هذا الأمر, وأخيراً أقنعت نفسي أن هذه الإعلانات ما هي إلا ممارسة تعتبرها الجهات المعنية خاطئة، لكن الجهات المعنية لا تستطيع فعل شيء إزاءها. ومع أنني أقنعت نفسي بهذا التبرير، إلا أنه ليس من الضروري أن يكون تبريراً صائباً أو هو التبرير الصحيح. وقد رأيت مناقشة هذا الموضوع عبر هذه الزاوية الأسبوعية لعلي أجد من يفسر لي هذه الممارسة, وهل الجهات المعنية تعلم بها؟ وهل هي راضية عنها إذا كانت تعلم؟!منذ أن عرفت نفسي والمعلمون مطالبون بعمل ما يسمى التحضير كل يوم في يومه أو كل موضوع في وقته, ويومه, وفي السابق كان المفتشون, والموجهون فيما بعد يتأكدون من قيام المعلمين بهذه المهمة, وذلك أثناء زيارتهم للمدارس في المناطق المختلفة, وذلك بهدف التأكد من استعداد المعلم لدرسه, وتقديمه بالصورة المناسبة التي تحقق الهدف, لكن هذه الخدمة التي تقدم بهذه الصورة وكما ورد في الإعلانات السابق إيرادها قد لا تحقق الهدف وقد يسأل سائل لماذا؟ فأقول إن تجهيز المادة الدراسية بالصورة التي وردت في الإعلانات المشار إليها آنفا لم تبق جهداً يبذله المعلم في مرحلة الاستعداد للدرس, إذ إنه يجد تحضيراً جاهزاً بجميع مكوناته من شرح, وأمثلة, وحلول لبعض المسائل, وهذا من شأنه أن يبقي المعلم في حالة ركود ذهني, إن لم يكن جمودا, كما أن هذه التحضيرات الجاهزة تفقد المعلم فرصة التفاعل مع الطلاب على مختلف مستوياتهم, وقدراتهم من حيث سرعة الإدراك, والفهم, والتحليل, ذلك أن المعلم يحتاج في كثير من الأحيان إلى تكييف المادة العلمية في عرضها, وشرحها, وحل مسائلها, والأمثلة المختارة بما يتناسب مع نوع الطلاب الذين يدرسهم, والفروق الفردية التي توجد بينهم، لأن وجود تحضير مسبق وجاهز يعني توحيد آلية عرض المادة الدراسية لجميع الطلاب دونما أخذ للاعتبار لما يوجد بينهم من فروق, واختلافات في الاستعدادات, والقدرات والميول والرغبات ومكونات الشخصية. وقد توقفت كثيراً عند الإعلان الخاص بمادة التربية الفنية, فهذه المادة من المواد تحفز على الإبداع, ومن خلالها يكتشف المعلم ميول, ورغبات, بل مشكلات طلابه، فكيف سيتسنى للمعلم أو المعلمة تحقيق هذه الأهداف إذا كان ينطلق من تحضير عام يستخدمه هو وغيره من المعلمين الآخرين، رغم اختلاف البيئات التي يعمل فيها المعلمون التي جاء منها الطلاب اختلافاً ثقافياً وجغرافياً فطالب المدينة غير طالب القرية.إن مادة التربية الفنية تربي وتصقل الذائقة لدى الناشئة, وهذا الهدف قد لا يتحقق إذا لم ينطلق المعلم منطلقاً حراً مرتكزاً فيه على واقع طلابه الذين يعلمهم. إذا كنا في التعليم العالي نشكو من المذكرات, وندرك أنها قتل للعقل, وحد من النشاط الذي يفترض بذله من قبل المتعلم بشأن الحصول على المعرفة وبنائها في الوقت ذاته, فإن هذه التحاضير تعطي سبباً شعورياً, أو لا شعورياً للمعلم عن أن يبذل أي جهد, ويستعد لمادته بما يتناسب مع طلابه, والمستجدات التي تحدث في البيئة المحلية أو العالمية, كما أنها قد تثبطه عن البحث, والاستزادة من المعرفة المتجددة, وهذا ما يعوق نمو الجيل في معارفهم, وأفكارهم, ويجعلهم أسرى لمعرفة قزمتها أطماع, وطموحات مادية, لذا لا غرابة أن يكون لدينا جيل أو أجيال أقرب ما يكونون إلى الصورة الكربونية أو حالات استنساخ للفرد نفسه الذي يفكر, ويشعر, ويحس بالطريقة نفسها التي يكون عليها الآخرون, وفي هذه الحالة لا نتوقع إبداعاً من الطلاب، إذ قتل معلمهم الإبداع في ذاته, واستسلم لتحاضير أعدها له أصحاب المقاصد المادية. قد يقول قائل إن العبء التدريسي للمعلم, وارتفاع نصابه, لا يسمحان له بالتحضير بنفسه، ما يضطره إلى استخدام هذه التحاضير, لكن هذا التبرير ليس كافياً, وما المانع من تخفيض نصاب المعلم, ومطالبته بالعمل الجاد الذي يسهم في الارتقاء بأجيالنا نحو المنافسة الجادة للآخرين بدلاً من أن نكون مستهلكين للمعرفة, ولا نسهم في خلقها واكتشافها.لا شك أن بيع التحاضير بهذه الصورة المكشوفة مثله مثل بيع المذكرات, والمحاضرات في الأكشاك التي تقابل الجامعة, لذا لا غرابة أن يأتي ترتيب طلابنا في أسفل القائمة حين يدخلون المنافسة في الاختبارات الدولية.إن هذا الواقع يستدعي تحركاً جاداً من قبل الجهات ذات العلاقة لمنع انتشار هذه الظواهر، حتى لا ندمر تربيتنا بأيدينا, أو تدمر, ونحن منهمكون في أنشطة وممارسات هامشية شأنها شأن الضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.إن إدراكنا أن التربية بمحتواها, وأهدافها, وآلياتها كائن حي ينمو, ويتطور, ويتغير حسب الظروف ومع الزمن كفيل أن يجعل المعلم وطلابه يكتشفون المعرفة, ويسعون لإبداعها بدلاً من تلقيها من أكشاك تقوم بإعدادها وتجهيزها لهم.