رد: الملف الصحفي للتربية الاثنين8/6
الوطن :الاثنين 8 جمادى الآخرة 1430هـ العدد 3167
كم "كارتر" نحتاج
فهد إبراهيم الدغيثر
أدعو كل مدير مدرسة ثانوية أن يشاهد فيلم "Coach Carter" وتعني "المدرب كارتر". الفيلم من إنتاج باراماونت لصناعة الأفلام في الولايات المتحدة الأمريكية من بطولة الفيلم الممثل القدير صامويل جاكسون بدور المدرب كارتر. مدة الفيلم ساعتان وربع الساعة وتم إنتاجه في عام 2004م.
السيناريو يستند إلى قصة حقيقية حدثت عام 1999م في مدرسة ثانوية بمقاطعة ريتشموند في ولاية كاليفورنيا جل طلابها ينتمون لعائلات فقيرة من السود ومن المهاجرين المكسيك ويغلب على تصرفاتهم عدم المبالاة وقلة التحصيل العلمي والتورط بالمخدرات والكحول ويغلب عليهم الضياع والشتات الذهني حيث تدنو نسبة المتخرجين من هذه الثانوية إلى 50% من عدد الممتحنين و 6% من هؤلاء فقط تقبلهم الجامعات بعد تخرجهم. تحولت هذه الثانوية وبفعل رجل واحد إلى ثانوية متقدمة أكاديمياً ورياضياً وأصبح المتخرجون منها طلبة تتسابق الجامعات إلى منحهم الدراسة الجامعية مجانياً.
كيف حدث ذلك بسنتين؟ بادرت المدرسة إلى توظيف أحد طلبتها السابقين ويدعى كينيث كارتر المتخرج سابقاً من هذه المدرسة في عام 1970م والذي كان ضمن أبرز أفراد فريقها للعبة السلة إبان وجوده كطالب. تعاقدت المدرسة مع هذا الرجل بمبلغ 1500 دولار فقط في السنة (نعم في السنة وليس الشهر) لتولي مهمة تدريب فريق المدرسة لكرة السلة القابع هو الآخر في ذيل قائمة الدوري السنوي لهذه البطولة المدرسية السنوية التي تقام في كافة مدارس البلاد.
بدأ المدرب مهمته بكتابة عقد إلزامي موثق من صفحتين بين المدرسة وبين اللاعبين ينص على ضرورة اهتمام لاعب الفريق الكروي بالتحصيل العلمي قبل التحصيل الرياضي وقد وضع بنداً تعاقدياً ينص على ربط ممارسة لعبة كرة السلة وتمثيل الثانوية في البطولات بدرجات أكاديمية لا تقل عن معدل تراكمي 2.2 من 4.0 ومن البنود الأخرى فقرة تنص على ضرورة جلوس طلبته من فريق كرة السلة في الصف الأمامي في الفصل الأكاديمي وارتداء هندام مرتب وربطة عنق. ينتهي الفيلم بعد دراما شيقة ومثيرة بين الطلبة والمدرب بل حتى بين المدرب ومديرة المدرسة بتحقيق ثانوية ريتشموند بطولة المنطقة في الدوري في أول سنة تحت إدارة كارتر وخسارتها بفارق ضئيل في مباراة وطنية بين أبطال المناطق. وفي السنة التالية حصل أربعة من ستة لاعبين يمثلون منتخب كرة السلة على منح مجانية لتكملة الدراسة الجامعية من جامعات الولاية. نعود إلى الوطن وهمومه ونتساءل: كم ثانوية لدينا تشبه ثانوية ريتشموند قبل وصول السيد كارتر لها؟ كم طالب لدينا في الأقسام الثانوية يحتاج إلى التقويم والتربية الصارمة وربما التعاقد خطياً مع مدرسته؟ وكم رجل صارم يوجد لدينا كهذا المدرب يمارس هذا التقويم، ليس مهماً أكان مدير مدرسة أم مشرفا أم مدرب فريق كروي؟ ثم هل يعلم أحد عن وجود دوري رياضي بين مدارس الثانوية في المدن وعلى مستوى المملكة؟ لماذا تقبل الأندية الكروية الكبرى في المملكة أي لاعب في دوري المحترفين بصرف النظر عن تحصيله العلمي؟
لو أوجدنا دوريا كهذا برعاية القطاع الخاص مع التغطية الإعلامية المناسبة لتمكنا من إقامة البطولات التي سيجد الشباب ضالتهم عندها بدلاً من المعاناة التي يعايشونها حالياً بسبب الفراغ الكبير في كل عطلة نهاية أسبوع بل لتمكنا من استحداث روابط جديدة بين البيت والمدرسة فأهل البيت من أولياء أمور وإخوة وأخوات سيتابعون مباريات مدرسة أبنائهم وسيذهبون لتشجيع فريقها وهكذا. نحن نتحدث عن أنشطة خارج الصف وهي أنشطة جميلة ومحفزة على الفوز ومغذية للطموح. التعليم لدينا لا يوجد بينه وبين البيت أي رابط وأولياء الأمور بالكاد يعرفون موقع مدارس أبنائهم وبناتهم. والإعلام لا يتناول دوري المدارس ولا يلقي له بالا. والكل مشغول.. بماذا؟ لا أعلم.
سقف الأسئلة قد يرتفع قليلاً ليلامس الوضع اليائس الذي تعيشه مدارسنا بشكل عام. فالموسم المدرسي في المملكة أصبح مقطع الأوصال وعدد الإجازات المدرسية تجاوز الخمس إجازات في موسم دراسي واحد وأصبح الحديث عن أيام الإجازة يغلب على الحديث عن أيام الدراسة. وفي كل إجازة تتم إضافة أسبوع مجاني بحيث يغيب الطالب أو الطالبة ثلاثة أيام قبل الإجازة ويتخلف ثلاثة أيام بعدها وفي معادلة بسيطة يمكننا الاقتراب من حقيقة مؤلمة وهي أن أيام الدراسة الجادة أصبحت تعادل أيام العطل في الموسم الواحد. فكيف بالله يستقيم أمر تعليم كهذا؟ لو أن الشركات التي تبحث عن الأرباح تمارس هذه الفوضى في الانضباط وانعدام الجدية لأفلس معظمها.
|