رد: المقال التربوي
المدينة : الأحد 05 رجب 1430هـ العدد 16867
بناء بيئة محفزة على التعلم
ناصر محمد العُمري - المخواة
من أكبر الإشكاليات التي تعانيها الفصول الدراسية عدم قدرة المدرسة على إيجاد مناخ يشجع على التعلم وبناء ثقافة محفزة عليه وهذه الإشكالية هي الفارق الجوهري بين بيئة مدرسية وأخرى ورغم أن التربية مكون يشترك فيه أركان التعليم مجتمعة من مناهج ومعلمين وطلاب وأسر وإدارة مدرسية وفصول دراسية مهيأة وممارسات متنوعة تجري داخل المدرسة كلها في النهاية تفضي إلى تشكل المناخ المحفز على التعلم لكن العنصر الأكثر تأثيرا في صناعة هذا المناخ هو ((المعلم )) في هذه البيئات تجد كل فرد منشغلا ذهنيا بالبحث عن ما له قيمة وتجد المعلمين والطلاب يزهون بأعمالهم ويستثمرون لأجلها أقصى طاقاتهم بل تجد في تلك المناخات أنه بات أمرا محببا للطالب والمعلم أن يظهر ذكيا ومتميزا في ممارساته لأن البيئة تمنح أفكاره قبولا وتقديرا ، وفي تلك البيئات المحفزة تجد أنماط الحوار راقية والتوقعات الإيجابية حاضرة بقوة ويتوفر قدر عال من الأمان للطلاب يشجعهم على الجرأة وحب التجريب والمبادرة دون خوف من السخرية عندما يطرحون رأيا أو يقبلون على تطبيق تجربة أو يناقشون موضوعا فالجميع مهيأ في هذه البيئات لتقبل ما يطرح بعقليات منفتحة والطلاب وهم يهمون بالتجريب والطرح والمبادرة يعلمون أن ما يقومون به من جهد هو محل تقدير المعلمين بل هو محل سرورهم وسعادتهم بمحاولات طلابهم وبإمكانياتهم العالية الأمر الذي يعزز من التزامهم نحو الحرص على إنجاز أعمال ذات نوعية راقية ووسط توقعات من المعلمين بأداء مرتفع من هؤلاء المبادرين الذين يولون اهتماما كبيرا بالمحتوى المراد تعلمه وهذه التوقعات الإيجابية العالية تحتل موقع الصدارة في البيئات المحفزة على التعلم بينما في الفصول التي تفتقر لوجود هذه البيئة المحفزة فقيرة لمثل هذه الممارسات وتتوحد في هذه البيئات جهود المعلم والطالب وتتفاعل مع بعضها حتى يظهر الطالب أفضل ما لديه لأن الطالب والمعلم لديهم انشغال ذهني بالعمل ذي النوعية الراقية ووسط هذه التوقعات العالية من المعلم يظهر الطالب قبولا بهذا التحدي وسط فخر واعتزاز من الطرفين بما يتم إنجازه وحتى لو كانت بعض أسر هؤلاء الطلاب لا تعطي للتعليم أهمية عالية فإن وجود معلم قادر على صنع هذا المناخ في الفصول يجعل تأثير الأسرة ضئيلاً جداً وبناء ثقافة كهذه تحفز على التعلم هي ولا شك مهمة كل معلم وكل مدرسة ومن السهولة بناؤها متى توفرت القناعة والفهم الواعي للدور ومتى كانت الممارسات الرسمية للمدرسة تثري البيئة المدرسية والبيئات الصفية وتسهم في خلق هذه المناخات عن طريق تقديم الجوائز والتقدير للمعلمين والفصول التي تنجح في خلق بيئة كهذه وتبني ممارسات مثل عرض أعمال الطلاب في أجنحة المدرسة والأماكن العامة وهذه الممارسات سهلة وممكنة ولها أكبر الأثر في التزام المدرسة نحو تطوير ثقافة مدرسية تحفز الطالب على التعلم فنصنع بها جيلا من الطلاب سقف طموحاتهم عال جدا ويقدّرون التعلم ويؤمنون بالعمل الجاد وهذا التوجه تفتقر إليه كثير من مدارسنا لكون المعلمين ينشغلون بإلقاء اللوم بصفة غير مباشرة على الكتب أو الإدارة أو المنهج أو الأسر والطلاب وضعف دافعيتهم نحو التعلم والمناهج لا فائدة منها وأساليب التقويم ضعيفة والطلاب ينقصهم الهمة وهم لا يبذلون الجهد الكافي ويبحثون عن أقصر الطرق للعبور نحو النجاح بأقل جهد ممكن وعندما تجد مثل هذه الممارسات تشيع في مجتمع تعليمي ما نكون قد أخفقنا بفعل هذه التوقعات السلبية في بناء بيئة ومناخ محفز على التعلم ولا شك أن معلمينا في حاجة ماسة لأن يتدربوا على ممارسات كهذه عن طريق بناء اتجاهات إيجابية لديهم لقبول مثل هذه الثقافة وغرس قناعات لديهم تؤمن بأهمية مثل هذه التوجهات وتدرك أثرها في تطور الأداء نحو الأفضل فتتحول الفصول إلى ساحات للعطاء الخلاق .
|