الانتقال للخلف   منتديات بلاد ثمالة > الإسلام والشريعة > الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي

 
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-14-2009   رقم المشاركة : ( 2 )
فاعل خير
أبو عبدالله

الصورة الرمزية فاعل خير

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 566
تـاريخ التسجيـل : 26-07-2006
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 13,279
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 339
قوة التـرشيــــح : فاعل خير تميز فوق العادةفاعل خير تميز فوق العادةفاعل خير تميز فوق العادةفاعل خير تميز فوق العادة


فاعل خير غير متواجد حالياً

افتراضي رد: سيرة الشيخ ابن جبرين رحمه الله

شيخ في الثمانين من العمر , تداعب همته ونشاطه مخيلة أبناء العشرين .

ليس ابن جبرين من دهماء الناس وعامتهم , بل هو رأس الطبقة وزينة الوقت, وهو اليوم مفخرة من مفاخر علماء السنة , وعالم من أكابر علماء الزمن الحاضر .

كل من جالسه عرف أنه عالم وداعية , زاهد وداهية , عربي غير مستعجم , حضري غير خاضع لذل الحضارة , شيخ في طاقة شاب , ورجل يحمل همّ أمة .

بلغ من العلوم أعلاها , يرع في العلوم حتى أُعجِب به من رآه وسمعه , وبرع في التعليم حتى أتعب من بعده .


******************

بين الواحات بيوت القرية:


عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين هكذا اسمه الكامل , ولد في عام (1349) في قلب جزيرة العرب , بين قرى وادعة , ونخيل باسق , وصحراء ممتدة شاسعة , تسمى بلدته الكبرى (القويعية) , وقريته التي نشأ بها مع والديه تسمى (الرين) وهي قرية صغيرة تتبع إدارياً البلدة الأم.

تقع هذه المنطقة بعيداً عن الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية بمسافة (160)كيلوا متر تقريباً , في الطريق المؤدي لمكة ويعرف بطريق الطائف , ولد ابن جبرين في قلب الجزيرة الصحراوي حيث عَرَف الرمال والتلال , وعرف المزارع والأشجار التي هي واحات في عمق الصحراء , تنقل على ظهور الجمال , , ذاق حرارة الشمس النجدية , جلس بجوار أشجار الغضا يناجيها وتناجيه , وسرح ببصره في جلال وعظمة الكون ليلاً ونهاراً .

لعب وقفز على بيوت الطين المنتشرة هناك , شرب من مياه الآبار الضحلة وجلس على أطرافها يسمع الأخبار والحكايات , لبس الملابس المتواضعة في قريته الطينية , لم يلبس الغالي والنفيس , لم يفكر في شراء أثواب كل شهر أو شهرين , بل كان مثل أبناء الجزيرة العربية آنذاك يفرح بالثوب والثوبين من العيد إلى العيد , عاش بين الناس الذين تقاربت مستويات معيشتهم , عاش بآمالهم , وعاش بأحلامهم , وتغنى بمستقبلهم , ضحك بين النخيل , جرى مع الطيور والعصافير يداعبها وتداعبه , وجرى مع الصبية وهم يلهون بين ماء الزروع وبقايا الغنم والإبل هناك , يراه الناس وهو قد ملأ الطين رجليه وساقيه النحيلتين ويفرح بذلك الجو البهيج فهو يعتبر ذلك شعاراً للإنسان الحر النبيل .

لم يكن والده في القرية رجلاً عادياً بل كان من المتعلمين , ولذلك أحاط ولده برعايته , ونشأ بن جبرين بين أبوين حنونين في بيوت الطين الجميلة , حيث الحياة الريفية الهادئة البعيدة عن منغصات المدن , حفظ القرآن وهو صغير , تعلم على طريقة الكتاتيب والكتابة في الألواح , نشأ بين مكتبة والده وقرأ عليه عدداً من العلوم , وتنقل على شيوخ القرى يطلب العلم , ومنهم شيخه الأكبر الذي يدعى عند الناس أبو حبيب واسمه ( عبد العزيز الشثري ) فقرأ عليه كثيراً من العلوم والفنون ولازمه ملازمة كثيرة وطويلة , يراه الناس بين المزارع والنخيل وهو يمشي على قدميه ليسمع من شيخ في قرية أخرى أو يرحل لقرية أخواله , وأحياناً يركب الجمل إذا كان المكان بعيداً يحتاج لوقت طويل ليسمع حديثهم ويتعلم منهم .

في قريته أوفي طريقه لزيارة القرى , يلتقي مع الناس على سجيتهم , يشاركهم البيع والشراء , يسمع قصصهم وأخبارهم وغزواتهم ومعاركهم , يتعلم طريقة الحياة , يرى الفلاح والعالم والشاعر كيف تتلاحم أواصر المحبة بينهم في القرية الصغيرة , نشأ وشبّ وكبر في قريته وبين أهله وذويه , ربما رحل مع والدته إلى أخواله في موسم التمر حين يشتد , فيسير بين الرمال والتلال والكثبان وفي بطون الأودية وهو فرح مسرور تلفحه شمس الصحراء , ويتقيها بيده أو يحجبها بقماش فوق رأسه أو يداريها بظل بيت طيني قديم أو شجرة باسقة شامخة , حياة وادعة , أناس طيبون على فطرتهم وسجيتهم , لا يوجد أخلاط من أجناس الناس وشعوب الأرض , عرف النقاء والصدق منذ نعومة أظفاره .


*****************

ابن القرية في العاصمة :


تمر به الأيام والليالي , وتسير به السنون , يخرج ذلك الفتى الجميل القروي بقوامه المعتدل كالسيف الصقيل , يخرج بعد أن قارب الخامسة والعشرين من العمر من قريته ليؤم الرياض عاصمة المملكة السعودية , خرج مع شيخه عبد العزيز أبو حبيب , خروجه كان في عام (1374) , ذهابه إلى لرياض لأجل أن يدرس في مدارس التعليم النظامي في المعهد الذي أنشأه المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم , تقدم للدراسة وتم اختباره وأختاره المفتي آنذاك ليكون مع طلاب السنة الرابعة لنظراً لتقدمه في العلوم , وبناء على تزكية شيخه أبو حبيب الذي أصبح مدرساً في ذلك المعهد.

لقد وصل إلى الرياض من قريته بعد أن صلب عوده وتزوج وأحاط بكثير من العلوم والفنون , ترك الشاب أسرته الصغيرة ووالديه في القرية وسافر هو بجسده وبقي قلبه , سيعيش بضع سنين لوحده في بلد الغربة كما يراه آنذاك قبل أن يستقدمهم , وسيرسل من مصروفه لأهله لكي يقتاتوا عليه , سيرتقي في سلم النجاحات والتفوق إلى أن يصل القمة .

وفي الرياض يأنس بحضارة المدن الكبرى , يتأقلم مع تلك الحياة المعقدة , تستمر حياته في الرياض بقية عمره , ويعيش بجسده بين أكوام البشر وزحمة الطرقات ودخان عوادم السيارات , ويبقى الفتى القروي في عاصمة الحضارة كما هو بأخلاقه العربية , فهو كريم , وشجاع , وشهم , و(صاحب فزعة ) , وهو لا يرضى بالكذب , ولا يأنس بالمجاملات الخادعة , ولا يحب أن يحيى حياة اللهو والعبث أو حياة الذلة والهوان .

يعيش مع عامة الناس كما سيعيش بعد ذلك مع الملوك والكبراء , تمر به الأيام فإذا هو يطأ بأقدامه البلاط الملكي والقصور العامرة , بعد أن كان يمشي في تراب القرية وطينها سابقاً , فلم يتغير من هيبة الحياة وقيمتها شيء في نظره , كان في القرية يسير على الرمضاء , ويسافر على الجمال , أما في المدنية الصاخبة الواسعة فهو يسير بالسيارات المكيفة الفاخرة , ويسافر بأسرع الوسائل الحديثة , تغير النمط والأسلوب ولكن بقيت المعاني والقيم كما هي , بل حتى ثوبه ونعله وهيئته هي من فصيلة وسلالة ذلك الملبوس القديم مع تطوير لا يكاد يذكر , فالإنسان العربي في قلبه وحياته لم يتزحزح , وجوهره واحد وإن اختلفت الأماكن والصفات .


تحول ذلك القروي لأشهر أبطال العاصمة , فهو غاية في البساطة والتواضع في الحديث مع الجلساء , وغير معقد في صفة الجلوس حيث يترك نفسه على سجيتها القروية , فيحترم الجليس ويقوم للغريب ولا يمل المرء من مجالسته اللطيفة , وهو سهل في مواعيد الزيارة والحياة الاجتماعية, وفوق كل هذا هو في القمة من العلم الواسع المتخصص والثقافة التي يعجب المرء من تنوعها في صدره , ولديه من الشجاعة والقوة ما يبهر أبناء المدن وسكان العواصم الذين أحبوا الحياة وبهرجها, وهو من أقدر الناس على التعامل مع الحضارة الحديثة , ولديه القدرة على فهم أبعادها وحاجة الناس إليها , فلم يتقوقع حول نفسه , أو ينكمش مع الماضي الجميل الذي أدركه .


تفوق دراسياً على زملائه , وترقى في شهادات التعليم النظامي , وحصل على شهادة الدكتوراة التي تفخر به ولا يفخر بها عادة , حصل عليها بعد أن قارب عمره الستين سنة , وذلك في حوالي عام (1407) , تقدم بها في مجلدات كثيرة , وهي في تخريج أحاديث كتاب وتحقيقه , وهو شرح الزركشي على مختصر الخرقي , لم تكن الشهادة ذات قيمة علمية له آنذاك , ولكنه ساير الحضارة ولم ينقطع عنها , ولم تكن هذه الشهادة لتهبه منصبا جديداً , أو سلماً وظيفياً عالياً فقد بلغ سن التقاعد أو قاربه.


لم يعاتب نفسه بقوله إني بدأت في الدراسة النظامية بعد أن بلغت الخامسة والعشرين فماذا تفيدني هذه الشهادات , لم تراوده نفسه أنه نشأ بين بيئة علمية تقليدية لاتقدر هذه الشهادات وحملتها , لم يفكر أن مشايخه لم يحصلوا على شهادة رسمية ولو صغيرة , ولكنّ نفسه طامحة للسمو والعلو وهاهو البطل اليوم يصبح عصرياً , بدأ من الكتابة على الألواح في كتاتيب القرية , ودرس في التعليم النظامي بعد أن كبر سنه , وناقش رسالته ولحيته بيضاء ناصعة , ناقشها وطلابه هم دكاترة الجامعات وعمداء الكليات , ولم يرهبه هذا فأحب أن يمارس هوايته العلمية , أحب أن يمشي في ركاب الحضارة ويكسر التقاليد والأعراف , فعاش عمره بين النخل والماء وبيوت الطين ولازال يحب تلك الحياة ويألفها , وعاش بين المدن والطائرات والبنايات الضخمة .


إنه مذهل حقاً فقد جمع بين الأصالة والمعاصرة , بين القلب القروي والعقل الحضري .

******************
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
كلمة للشيخ عبدالله بن جبرين بعد وفاة الشيخ بكر ابوزيد غفر الله لهما الدانه الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي 5 07-19-2009 02:32 PM
كلام الشيخ يحيى الثمالي عن الشيخ بكر ابو زيد رحمه الله ابو الفهد الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي 5 09-27-2008 04:51 AM
لماذا احببنا الشيخ ابن باز رحمه الله ..؟ أبو فيصل الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي 4 07-26-2008 02:39 PM
ترجمة حياة سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- ورد الجوري الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي 3 05-01-2008 11:05 PM
من طرائف الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله واحد مصدر الــمـنـتـدى الـعـام 7 06-07-2007 09:42 PM


الساعة الآن 11:44 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by