عبدالرحمن ناصر الخريف
منذ زمن بعيد ونحن نؤمن بتطبيق سياسة رفع سعر خدمة معينة او فرض رسم جمركي على سلعة مستوردة بهدف تقويم سلوكنا لترشيد استهلاك تلك الخدمة، او الحد من استيراد تلك السلعة المسموح باستيرادها والغير مرغوب في استهلاكها! إلا انه مع تطبيقنا لتلك السياسة لم نحاول تقييم مدى نجاحها وتحقيقها للهدف من تطبيقها، لأنه ليس بالضرورة أن ما هو مطبق وناجح في دول أخرى أن ينجح لدينا، فمثلا زيادة قيمة المخالفة للسرعة لم يحد منها ولذلك تم اللجوء لحجز السائق! كما أن تحديد سعر استهلاك الكهرباء وفق شرائح لم يؤد الى ترشيد الخدمة! فالمواطن الذي يعول أسرة كبيرة اضطر قسرا الى دفع قيمة فواتير الكهرباء بسبب عدم تحديد كمية الاستهلاك المناسبة للشريحة الدنيا! كما أن التسعير الموحد بين الاستهلاك السكني والتجاري والحكومي وعدم الربط بين من يستفيد من الخدمة ومن يدفع قيمتها ساهم في فشل تلك السياسة وأوجد فئة تترك المكيفات لتعمل في مكتب او منزل خالٍ للمحافظة على الأثاث! وبالتالي لم ننجح في ترشيد الاستهلاك الأكبر الذي تسدد فواتيره الدولة او جهات أخرى (تجارية وغيرها) سواء للوحدات السكنية او التجارية او الخدمية!
ولكن ما يهمنا اكثر هنا هو تبعات فشل تطبيق تلك السياسة والأثر السلبي الذي يمكن أن يلحق بالمجتمع وخصوصا في الجوانب التي تهم الصحة والأمن! فإذا توقفنا عند احد المطالبات التي خرجت مؤخرا بفرض رسوم جمركية جديدة على علب السجائر(الدخان) لتصبح قيمتها بأسعار عالية (20او25) ريال كما هي في دول أوربية لرفع تكلفة التدخين للحد منه، فانه على الرغم من وجاهة المطالبة نظريا وتجاهلها لانخفاض مستوى دخل الفرد لدينا مقارنة بتلك الدول، فان ذلك يؤكد بأننا لم نكتشف حتى الآن فشل سياسة رفع السعر لتقويم السلوك والتي قد تعود لاسباب متعددة لم يتم بحثها، ولذلك سنستمر في الشكوى من انتشار التدخين وشموله لجميع شرائح المجتمع، لكون الإحصاءات المنشورة أوضحت انتشاره بين الأطباء والمعلمين والطلاب وكذلك بين المعلمات والطالبات وبنسب كبيرة قد يساهم ذلك في التورط فيما هو أسوأ من الدخان!
وهذا يؤكد بأنه لم تنجح كل الوسائل التي استخدمت لمكافحة التدخين لكونها تعاملت بسياسة لم تكن مناسبة ومشجعة للإقلاع عن التدخين او منع دخول شرائح جديدة في عداد المدخنين، بل إن تلك السياسة (رفع السعر) أعطت انطباعا خاطئا لدى بعض المدخنين بأنهم قد دفعوا قيمة السلبيات التي ستترتب على تدخينهم بالأماكن العامة خاصة فيما يتعلق بالتدخين السلبي! فالرسوم الجمركية والحملات التوعوية لم تحقق النتائج المأمولة كما إن التوجيهات السامية الصارمة بمنع التدخين لم تطبق على الوجه الصحيح، وبكل أسف ركزنا على ابراز تلك الجهود وأهملنا تبعات فشل تلك السياسة والجهود المبذولة للتوعية، لنترك أفراداً وجهاتٍ تدفع ثمن ذلك الفشل!
إنه أمام مشكلة انتشار التدخين بين شرائح المجتمع يجب ألّا نركز على موضوع رفع السعر للحد من شرائه، فنحن نجد انه فقط من واقع مايعلن، أن المخدرات والمشروبات الكحولية تهرب بكميات مهولة وتباع بأسعار خيالية ولم يمنع ذلك ممن أدمن عليها بالحصول عليها بأي سعر، وقد دفع المجتمع ثمن ذلك غاليا من خلال كثرة السرقات والاعتداءات للحصول على المال بأي وسيلة، فبدأ بسرقة اسطوانات الغاز والمسجلات ليتطور الأمر الى الاعتداء السافر وبالإكراه على المواطنين والمقيمين لسرقة المحافظ والجولات وبطاقات الصراف! أي إننا لو رفعنا سعر الدخان فانه سيصبح لدينا سلعة جديدة تهرب بكميات كبيرة وستظهر ايضا شريحة جديدة تنظم لمدمني المخدرات قد يتحولون لمجرمين للحصول على المال، وسيكون اغلبهم تلك العمالة الأجنبية التي نعاني من فسادها، وحينها سيدفع ثمن ذلك كامل أفراد المجتمع بانتشار السرقات والاعتداءات خاصة في ظل عدم وجود عقوبات رادعة! وما ينشر بالصحف يوميا يوضح مدى انتشار تلك السرقات التي أصبحت تهدد الأرواح!
إننا أمام انتشار التدخين يجب أن نفكر في مكافحته بطرق جديدة ونستفيد من تجارب الآخرين في هذا الشان وبحيث نطبق طرقاً اكثر واقعية للتشجيع على الإقلاع عن التدخين واتخاذ تدابير عملية لحماية باقي أفراد المجتمع من عادة سيئة، لكون الواقع يجبرنا على التكيف مع وضع قائم! ولذلك يجب أن نوفر أماكن خاصة للتدخين للمحافظة على غير المدخنين من سلبيات التدخين، فكما شاهدنا المطاعم والمقاهي (الكافيه) تحدد أماكن خاصة للمدخنين - قد يكون ذلك لاهداف تجارية - فان الواجب أن نخصص صالات صغيرة في المطارات وجميع الدوائر الحكومية والخاصة، لتمكين المدخن من التدخين في مكان مخصص لذلك، أما منع التدخين بشكل عام وبدون تخصيص أماكن لذلك، فانه من غير المتوقع أن نجد تطبيق عملي لهذا المنع، حيث لايمكن ان نجبر الموظفين المدخنين للنزول لمواقف السيارات والشوارع للتدخين او الامتناع عن التدخين خلال أوقات الدوام! ولذلك فالتطبيق لهذا المنع لم ينجح وغير المدخن هو الذي يدفع الثمن من صحته!
كما أن هناك أمراً لايقل أهمية وهو أن الرسوم التي تفرض حاليا وربما مستقبلا على الدخان تذهب كإيرادات للجمارك وقد تكون هناك جهات أحق بتلك الإيرادات خاصة جمعيات خيرية متعددة تعتمد على التبرعات ومنها الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان التي تتحمل نتائج إدمان التدخين المسبب للسرطان ولها مساهمات كبيرة لفحص وعلاج مرضى السرطان ومن خلال ما تتلقاه من تبرعات محدودة ومعظمها موسمية لاتكفي لطلبات العلاج التي ترد لها والتي من المؤكد إنها باهظة الثمن، إلا إن تحويل تلك الرسوم لهذه الجمعية - ولجمعيات أخرى - سيوفر لها مصدر إيراد دائم يساعد في أداء مهمتها تجاه أفراد المجتمع!
alkhorayef-riyadh@hotmail.com
10-31-2007
المقال
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
